كيف أصبحت شيوعياً

ضيفنا لهذا العدد الرفيق نعيم ميخائيل مخّول من الرفاق في تنظيم «النور»..

- الرفيق العزيز أبو مخول... حدثنا عن البداية.. كيف أصبحت شيوعيا؟

- أنا من أسرة أصلها من لواء اسكندرون, ولدت في جسر الشغور عام 1930حيث كان والدي يعمل «اسكافي» ثم انتقل للعمل في قرية «طنطاش» وهناك تعلمت لدى شيخ القرية قراءة القرآن الكريم والخط وعمليات الحساب لمدة خمسة أعوام, وكلما حفظت جزءا من القرآن تقام لي حفلة يلبسونني خلالها «القمباز» ويضعون على رأسي طربوشا, ومع بدء الحرب العالمية عام1939، عدنا لنسكن في الجسر, فدرست حتى نهاية الصف الخامس في مدرسة طائفة الروم, وكنت من المتفوقين في مادة الحساب. في تلك الأثناء كان المحتلون الفرنسيون يعرضون في ساحة البلدة أفلام دعاية بواسطة آلة سينمائية موضوعة على سيارة, وأتذكر «تصنيف» أبي لقادة الحرب الذين يظهرون على الشاشة وقوله: «تشرشل ماكر وسيئ, وديغول أقل سوءاً, وستالين مثل والدك كان إسكافياً ثم صار خوري، ثم ترك الكهنة وانضم إلى الثوار».. ولم أكن أدري من أين توصل لهذا الرأي, فهو أمي ولا يحتك إلا بزبائنه الفلاحين البسطاء, وكان مولعا بالحكايات التاريخية, يشتري قصصا مثل سيرة بني هلال وقصة الملك الظاهر وغيرها, أقرؤها له وهو يعمل.

 بعد الحرب وبدافع السعي وراء العمل انتقلت إلى دمشق عام1947 لأعمل بفندق «زهرة الصباح» في سوق التبن، ثم في فندق «قصر النيل» بزقاق رامي, وفيه سمعت لأول مرة كلاما عن الحزب الشيوعي، قاله شرطي حمصي لقريبه المقيم بالفندق وهو يحدثه عن الاعتداء الذي تعرض له مكتب الحزب في حي المزرعة, واستشهد فيه الرفيق حسين عاقو وجرح العديد من الرفاق, ومن حينه بدأت أتعرف على رفاق ومنهم آغوب العامل في فندق «أوريان بلاس» مقابل محطة الحجاز وعبد الهادي أيوبي, وحين«أحس صاحب الفندق» بما يجري صرفني مباشرة من العمل, فلجأت عن طريق رفيق إلى المحامي الرفيق نصوح الغفري وأقمت دعوى مطالبا بالتعويض وكسبت الحكم، وأبقيت المبلغ تبرعا للحزب, ثم أمّن لي الرفيق آغوب عملا معه في الفندق, وبعد عام عملت في مطعم «القطة السوداء» مقابل شركة «التروماي» الكهرباء حاليا, وبمبادرة فردية نفذت مع ستة عشر عاملا إضرابا في المطعم مطالبين ب12 ساعة عمل بدلا من16 ونجحنا بتحقيق المطلوب, وهذا النجاح أفسح المجال أمامي فيما بعد لأشارك في انتخاب نقابة عمال المطاعم والفنادق ولأفوز بعضوية النقابة. ومن ذكريات تلك الفترة زيارتي للأهل بجسر الشغور ولقائي بالأصدقاء وبعد عودتي لدمشق بيوم واحد جرت مظاهرة بالجسر فقالوا إنها من ترتيبي واعتقلوا أبي وبقي ثلاثة أيام رهن التحقيق, هذا الأب الطيب البسيط ملأ نفسي فخرا يوم زارني في سجني عندما اعتقلت مع عدد من الرفاق أثناء مظاهرة في «المناخلية» ومنهم الرفيق عدنان البني وواصل فيصل, وقال لي أمامهم وأنا حليق الرأس: «أريدك أن تبقى شجاعا إلى جانب رفاقك فالسجن لن يدوم. وقد تعرفت على عائلة شيوعية هي عائلة الرفيق جبران حلال وفي العام ذاته 1949 انتظمت في فرقة حزبية وانتقلت للعمل في «نادي الشرق» وهناك أتيحت لي فرصة تعلم المحاسبة بشكل جيد, وخلال الحرب على كوريا قمنا بمظاهرة حاشدة تأييدا للشعب الكوري ضد غزاته, واعتقلت مع رفاق كثيرين في سجن المزة العسكري, منهم لطفي آله رشي. وفي السجن تعرفت على الضابط السجين عبد الغني قنوت. وبعد عام تعرفت على الرفاق عمر يونس العامل في شركة نفط العراق وبهجت قوطرش وعبد الغني عرفات وأنطون راعي المسؤول باتحاد الشباب الديمقراطي, ومن الذين كانوا يلتقون بنا كنقابيين الرفيق أرتين مادويان ولا أنسى قوله لنا: «إن عملكم يزداد قوة وخبرة ونشاطكم أشبه بكرة الثلج المندفعة من قمة الجبل التي تكبر وتزداد صلابة».

بعد تركي العمل بنقابة عمال المطاعم والفنادق, انخرطت في العمل بنقابة «كتاب وموظفي المحلات التجارية»، وأعتقد أنني أثبتت وجودي, ومع مرور الأعوام صرت عضوا في المكتب التنفيذي لاتحاد عمال دمشق وعضوا في مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال, وشاركت في وفود نقابية كثيرة زارت العديد من الدول العربية والأجنبية.

هذا بعض من الماضي, والآن أشعر أن قناعتي تزداد رسوخا يوما بعد يوم بأن حزبنا أدى دورا مشرفا في حياة شعبنا ووطننا بعمل ونضال وتضحيات آلاف الرفاق البواسل الذين حملوا هموم وآلام وآمال الجماهير الكادحة، وخاضوا معها كتفا لكتف الصراع الطبقي والوطني, وبدوري اليوم أتوجه إلى جميع الرفاق في كل مواقعهم بالقول: إن ما يجمعنا أكثر بما لا يقاس بما نختلف عليه، فتعالوا لنعمل جميعنا على استعادة حزبنا لدوره المأمول, وهذا ما يدعونا إليه شعبنا ووطننا.

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 12:47