الاتفاق لن يفشل.. من يراهن؟
من إحدى أهم المغالطات التي تقع فيها قوى عديدة، معارضة وموالية، في مقاربة الاتفاق الروسي الأمريكي، هي النظر إليه على أنه يخص سورية وأزمتها فقط، أو أنه مجرد إجراء بروتوكولي، أو تنافس على النفوذ بين دولتين. وعلى أساس هذه المقاربة القاصرة، يتم تحديد الموقف من الاتفاق العتيد، ومآلاته المفترضة، ولأنها كذلك أي قراءة مجتزأة وقاصرة، فإنها تقود بأصحابها إلى استنتاجات خاطئة، وتصبح مادة دعائية لإشاعة أجواء الإحباط والتيئيس.
أهم ما في الاتفاق، أنه تعبير عن تثبيت ميزان القوى الدولي الجديد، الذي يعني تراجع واشنطن، بدلالة عدم قبولها بالاتفاق في البداية، ومن ثم التوقيع عليه. وإن تثبيت التراجع الأمريكي العام يعني موضوعياً، لجم تلك السياسات الأمريكية التي استفردت بالقرار العالمي، على مدى ما يقارب عقدين من الزمن، وما أنتجته خلال هذه الفترة، من انهيار اقتصادات، وحروب، وتفاقم العسكرة، والعبث بالخرائط، وارتفاع منسوب التوتر، وتفشي الأوبئة والمجاعات، والتدمير الممنهج للبيئة.
وعلى هذا الأساس، يمكن اعتبار الاتفاق في جانب منه استكمالاً للسعي الروسي إلى منطق جديد في العلاقات الدولية، بمعنى آخر، فأن تقدم العملية السياسية، التي تعتبر الهدنة خطوة في السير باتجاهها وإحدى أدواتها، ليست مجرد مسألة إرادوية تتعلق برغبة هذا الطرف أو ذاك، حتى يسارع البعض إلى نعيها مع كل تحليق للطيران الحربي، أو بعد كل قذيفة مدفع، أو اشتعال جبهة من الجبهات، أو مع كل زوبعة إعلامية، بل هي انعكاس لأوزان اقتصادية وسياسية وعسكرية، أي انعكاس لواقع موضوعي.
وبالتالي، فإن الحديث عن الفشل أو إلغاء الهدنة يتناقض ويخالف واقع الحال. جل ما تستطيع واشنطن فعله، بما تمتلك من قدرات استخباراتية، ومالية، وميدانية هي المماطلة والتسويف عبر خلط الأوراق، وليس تغيير الاتجاه أو المنع، مع الإشارة والتذكير بأن محاولات التسويف والمماطلة السابقة كلها كانت تؤدي إلى المزيد من الخسائر للطرف الأمريكي وملحقاته الإقليمية والمحلية.
وعليه، يمكن القول أن إفشال الهدنة بالصيغة المتفق عليها حالياً، لا يلغي حقيقة أن عملية الحل السياسي ماضية قدماً إلى الأمام، وإذا ارتكبت واشنطن مثل هذه الحماقة، فإنها ستضطر إلى التوقيع على هدنة أخرى بشروط أقسى بالنسبة لها، تدفعها نحو المزيد من التراجع.