«الأمريكي» في «حيص بيص»..!
باستثناء من يعانون من عوارض الهبل أو الاستهبال السياسي المرتبطة بقوة عطالة العلاقات الدولية المتماوتة التي سادت لأكثر من عقدين ماضيين، لا يوجد من لا يدرك أن محاولات واشنطن للتنصل من اتفاقها الأخير مع موسكو بخصوص ترتيبات حلحلة الأزمة السورية وتوجيهها نحو الحل السياسي مجدداً ما هي بالعمق إلا انعكاس لحجم الانقسام داخل الأوساط الأمريكية المتنفذة ذاتها.
كيف لا، إذا كان من ضمن بنود الاتفاق بتسلسلها قيام واشنطن بالتعاون مع روسيا بضرب جبهة النصرة التي ساهمت أجنحتها الفاشية ذاتها في استنباتها على الأرض السورية؟ وعليه يمكن فهم مستوى التلكؤ والتردد لدى من يجري إجباره على أن يطلق بنفسه النار على نفسه..!
علاوة على ذلك، وإذا أردنا رؤية عموم اللوحة، وبغض النظر عن شح التسريبات التي أوردتها الصحف الأمريكية عن مضمون الاتفاق، يبدو أن الاتفاق ذاته بتداعياته يتجاوز سورية بالمعنى الجغرافي المباشر. وسيؤدي بالتالي نشر بنوده كاملة إلى إحداث تأثير مباشر على حلفاء واشنطن وعلى علاقتها بهم، ببساطة لأن فصل «المعتدلين» عن المنظمات الإرهابية التي تم إعادة تصنيفها ونشر أسماءها سيطال ليس هذه المنظمات فحسب، بل أن دولاً إقليمية كاملة ستتأثر وسيرفع عن أدواتها وأدوات واشنطن الغطاء، وستقع واشنطن حينها في «حيص بيص» مستفحل..!
بطبيعة الحال ستحاول واشنطن ما في وسعها للتنصل من الاتفاق، ولكن أمامها خياران: إما استكمال تنفيذ الاتفاق، وهو ما سيجري بتثاقل وإدامة اشتباك، أو التنكر لاتفاق وقعوه بأيديهم بعد أن عرقلوه 7 أشهر، وما الذي سيقدمونه من تبريرات حينها؟!
وفي الأحوال كلها سيظهر فرز أكبر وانقسام علني أكثر وضوحا بين أركان الإدارة الأمريكية مع التداعيات الداخلية لذلك كلها، على اعتبار أن اتفاقاً بحجم الاتفاق المذكور بعناوين وثائقه الخمس، وتطلب عدداً من الاجتماعات الماراثونية في الأسابيع الأخيرة، سواء في موسكو أم جنيف، وعشرات الاتصالات والاجتماعات التقنية، لن يستطيع الأمريكيون الهروب منه ببساطة، وإن فعلوا ستظهر لذلك نتائج لا في سورية فحسب، بل ولديهم أيضاً.