الافتتاحية عندما تجتمع السياسة بالأمن قبل القمة..
مع صدور هذا العدد تكون «القمة» العربية قد «حطت أوزارها» بعد أن مهدت لها مناورات عسكرية أمريكية هي الأكبر منذ غزو العراق في منطقة الخليج العربي بالقرب من المياه الإقٌليمية لإيران: الجارة الشرقية للـ«الوطن العربي».
ولأن «القمة» جرت في السعودية بأرضها وبين جمهورها (من القواعد العسكرية والخبراء الأمريكيين) فقد عمل «المضيفون» على ضمان درجة عالية من العزل الصوتي داخل قاعة اجتماعات القادة حتى لا تزعجهم، وهم يحاولون تسديد الأهداف في مرامي شعوبهم بعد أن احترفوا صم آذانهم عن مواقفها المطالبة بشيءٍ من الكرامة الوطنية وبعض الإرادة السياسية للمقاومة، أصوات تلك المناورات. وكأن لسان حالهم يقول: «شو دخلنا نحن أصلاً بإيران، لأنها لو كانت على حق لما كانت صديقتنا أمريكا ومجلس الأمن وأوربا قد وقفوا ضدها».
لقد أزعج عرب أمريكا أن ممثل إيران في مجلس الأمن امتلك الإرادة السياسية للقول صراحةً: «إن الشعب الإيراني لن يتنازل عن حقوقه وإذا أضطر سيواجه العدوان الأمريكي المرتقب».
وإذا رجعنا لدراسة وقائع القمة وطقوسها البروتوكولية وما سمعناه من كلمات في الجلسة الافتتاحية نلاحظ أن تلك الكلمات باستثناء المداخلة الجريئة والواضحة الرؤية من جانب «المغلوب على أمره» السيد عمرو موسى، كانت بروتوكولية اعتيادية ممجوجة في مقابل خطاب واضح المطالب من «الأمة العربية» وجهه الأمين العام الجديد للأمم المتحدة مقدماً وجهة النظر الغربية تحت التأثير الإمبريالي الصهيوني.
وبعيداً عن ذلك يبقى اللافت أن التحضيرات للقمة العربية رافقها حديث أمريكي غربي عن رباعية عربية تضم السعودية ومصر والأردن وعلى نحو لافت الإمارات لتكون فيما يبدو البديل المطلوب للنظام الرسمي العربي ممثلاً بجامعة الدول العربية، وهو حديث رافقه مطالبة أمريكية بـ«التطبيع قبل السلام» مع طرح رباعية أمنية أصرت «الآنسة» كوندي رايس خلال جولتها في المنطقة على الالتقاء بأطرافها قبل «القمة». وتلا ذلك الإعلان مكياجياً واستعراضياً بعد انتهاء الجلسات الوزارية التحضيرية لـ«القمة» عما سمي بمجلس السلم والأمن العربي «الذي سيدخل حيز التنفيذ فوراً» حسب «عمرو موسى». (وهو مجلس يراد منه فيما يبدو، بعيداً عن توهم استنساخ تجربة أوربا والاتحاد الأوربي، إطالة عمر النظام الرسمي العربي المحتضر، تغييب الفرز الحقيقي بين أقلية «الدول المتشددة» (حسب التوصيف الأمريكي الذي يتجاهل مزاج وإرادة أكثرية الشارع العربي) وأكثرية مزيج «الدول المعتدلة» وجماعة «الحيط الحيط وياربي السترة»، وذلك بغض النظر عن مساعي التهدئة والمصالحة والقبلات والتوضيحات وعبارة «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» التي أطلقها سعود الفيصل بطريقة حمّالة للأوجه)، وهو مجلس حسب المعلنين عنه سيتدخل في قضايا وتحديات كثيرة (وقد يشمل ذلك بحكم طابعه «العربي» المشاركة في العدوان «التأديبي» الأمريكي الإسرائيلي لإيران «الفارسية» وربما التدخل لقمع معارضي ومقاطعي التعديلات الدستورية في مصر مبارك، أو توكيله بمهمة الضغط على سورية بخصوص المحكمة الدولية أو التدخل في لبنان لدعم الحكومة «السنيورية» في وجه الأغلبية الشعبية في مناهضتها لتلك الحكومة والمشروع الأمريكي وتأييدها للمقاومة والارتباط العربي، أو التدخل في العراق لمكافحة المقاومة التي تستهدف القوات الأمريكية «الصديقة» وحمل كتف عن قوات الاحتلال الأمريكي التي تتكبد الخسائر البشرية والمادية والمعنوية من جراء «احتلالها التحريري» لذاك البلد العربي أو.. وتستطيل القائمة التي تهدف إلى تثبيت أكتاف المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وفي كل مكان متوقع من الشارع العربي الذي تأخذه الآن عدوى خيار المقاومة ضد التحالف الإمبريالي ـ الصهيوني، الرجعي ـ العربي خصوصاً بعد هزيمة العدوان الصهيوني في تموز الماضي.