الافتتاحية استنتاجات أولية حول انتخابات 22 نيسان

مع صدور هذا العدد، تكون قد أعلنت نتائج انتخابات الدور التشريعي التاسع التي جرت في 22ـ23 نيسان والتي تميزت بانخفاض الإقبال الشعبي عليها أسوة بالانتخابات السابقة، إن لم يكن أسوأ منها. وإذا كان حجم المشاركة هو المقياس الأساسي لمعرفة نجاحها، فالمطلوب الوصول إلى الأسباب العميقة التي أفضت إلى هذه النتائج التي تميزت بإحجام شعبي واسع عنها.

في بادئ الأمر يجب التمييز بين المقاطعة السياسية التي دعت إليها بعض القوى، وبين الإحجام الشعبي العفوي، الأمرين اللذين لاعلاقة مباشرة بينهما، فالقوى التي دعت إلى المقاطعة بقيت معزولة عن الذين شاركوا أو لم يشاركوا في الانتخابات، والأهم في هذا الظرف هو تحليل أسباب الإحجام الشعبي والتي تكمن على الأرجح في الأمور التالية:

1ـ الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي المتردي للجماهير الشعبية والذي ازداد سوءاً خلال الفترة الماضية، مما خلق وعياً اجتماعياً لايرى فائدة من المشاركة الانتخابية بعد مجالس سابقة لم تستطع أن تعالج جدياً أية مشكلة من المشاكل التي يعاني منها المجتمع، من مستوى معيشة إلى سكن ونقل وصحة وتلوث بيئي إلخ... بل إن ازدياد تمركز الثروة بين أيدي قلة قليلة يتربع بعض ممثليها في المجلس شدد من ظاهرة العزوف عن الانتخابات.

2ـ قانون الانتخابات الحالي الذي شدد القناعة لدى أوساط واسعة في المجتمع أن النتائج محسومة سلفاً، ولافائدة تذكر من المشاركة في الانتخابات. والحقيقة إن قانون الانتخابات الحالي يعيق تطورالحياة السياسية في البلاد، ويكبح مشاركة المجتمع في تحديد ممثليه إلى السلطة التشريعية، بل يمكن القول إن هذا النظام الانتخابي أصبح عائقاً لتطور النظام السياسي نفسه، وأي إصلاح سياسي لايمر عبر تعديل جذري لقانون الانتخاب لن يصل حتماً إلى مبتغاه.

والواضح أن هذا القانون يصب الماء فقط في طاحونة جهاز الدولة وكذلك رجال المال، ويمكن القول إنه مفصّل على قياسهما، فجهاز الدولة الذي يجب أن يكون مراقَباً من السلطة التشريعية أصبح مراقباً عليها، ويتحكم عبر قانون الانتخاب باختيارها حسب مصالحه غير آخذ بعين الاعتبار إلى حد كبير وفي أكثر الأحيان مصالح المجتمع، أما رجال المال الكبار فقد دخلوا في بادئ الأمر اللعبة من الباب الصغير، وأصبحوا لاعباً أساسياً فيما بعد من أجل حماية مصالحهم الضيقة. والخطر الكبير الذي يكمن فيهم هو قدرتهم مع زيادة نفوذهم على ازدياد تأثيرهم في جهاز الدولة نفسه، وهو ما أصبح واضحاً للعيان في الانتخابات الأخيرة.

3ـ شكلُ نشاط المجلس السابق بعيداً عن أضواء الإعلام دون وضوح وشفافية، أفقد الجماهير الشعبية الثقة به وبأعضائه، هذه الثقة التي تقتضي الظروف الحالية استرجاعها بأسرع وقت ممكن في ظل الأخطار الكبيرة التي تحيق وتحيط بالبلاد. لقد تحول قسم كبيرمن أعضاء المجلس بسبب بنيته وبنيتهم إلى معقبي معاملات لم يستطيعوا ممارسة دورهم الحقيقي في التعبير عن مصالح المجتمع ككل والدفاع عنها.

4ـ شكلُ الحملة الانتخابية الحالية وماسبقها من حملات، التي غابت عنها البرامج وارتفعت الصور والابتسامات والأسماء ليبقى التنافس بين المرشحين بالنسبة للناخب العادي لامعنى له.

والجدير بالذكر أن غياب البرامج لدى المرشحين المستقلين الأساسيين من وسط رجال الأعمال والمال، لا يعني بتاتا أن برامجهم غير موجودة، بل هي موجودة تحت الطاولة لايجرؤون على إعلانها، ويسعون إلى تنفيذها خطوة خطوة دون إعلان. أي إنهم يقومون بأكبر عملية خداع للمواطنين. وهم بذلك يقومون بسرقة كلمتهم إلى جانب استمرارهم بسرقة لقمتهم.

والمؤسف أن نشاط مرشحي الجبهة شكلاً ومضموناً لم يخرج عن نمطيته السابقة، ولم يستطع أن يقوم بأي تحريك إضافي للشارع الشعبي الذي بقي بكتلته الأساسية بعيداًعن هذه العملية. والنتيجة في نهاية المطاف كانت أن الذين أحجموا عن المشاركة في العملية الإنتخابية، كانوا أكثر بكثير من الذين شاركوا فيها، إن كان لأسباب مبدئية كبيرة، أو لأسباب مصلحية صغيرة.

ولكن الذي يجب أن يقال إن هذه الانتخابات، وبغض النظر عن نتائجها، قد فتحت كوة جديدة، ولو صغيرة في النضال ضد تماسيح المال، فالمزاج الشعبي السلبي تجاههم يتكوّن ويتعاظم.

وإذا استطاعت القوى الوطنية الشريفة الحريصة على مصالح البلاد والعباد تغييرالقانون الانتخابي باتجاه السير نحو قانون انتخابي جديد يعتمد النسبية على نطاق البلاد في ظل قانون أحزاب يضمن تكوين أحزاب سياسية على المستوى الوطني الشامل، بعيداً عن التكوينات المناطقية والطائفية والدينية، فإن ذلك سيكون ضمانة لتحقيق كرامة الوطن والمواطن.

آخر تعديل على الإثنين, 14 تشرين2/نوفمبر 2016 11:46