تختطف المشاركين السلميين في الحراك الشعبي وتعذبهم وتهددهم..
محمد سعيد حمادة: العصابات المسلحة تريد إجهاض الحراك وتمزيق الوحدة الوطنية
قامت عصابات مسلحة في معرة النعمان بمحافظة إدلب باختطاف كل من الأديب محمد سعيد حمادة، والرفيق عماد صطيف، وذلك مساء السبت 11/6/2011، واحتجزتهما عدة ساعات حققت خلالها معهما وقامت بتعذيبهما وتهديدهما قبل أن تطلق سراحهما بعد أن خلّفت على جسدهما بعض الجراح والكسور. وقد قامت قاسيون بزيارة الأستاذ حمادة صاحب الجراح البليغة في المشفى واطمأنت على أحواله بحضور زميله عماد صطيف الذي كانت جراحه طفيفة نسبياً، وأجرت معه اللقاء التالي:
يقول الأستاذ حمادة:
«عندما بدأت الأحداث واحتدمت الأمور في منطقة جبل الزاوية (التابع لمنطقة أريحا المعرة)، كنت موجوداً هناك بطبيعة الحال لوجود أعمالي وأصدقائي في تلك المنطقة. في ذلك الوقت بدأ الحديث عن الحوار الوطني وعن أشكاله، فاعتبرت أن هذا شيء «فوقي» لا طعم له ولا رائحة، فذهبت إلى معرة النعمان حيث لدي صداقات عائلية، وبحثت مع الأهالي هناك مآلات الاحتجاجات والتي كنت أراها ماضيةً في اتجاهات مغايرة للحراك، فقد بدأنا نرى المظاهر المسلحة والاشتباكات.
غداة وصولي إلى المعرة بدأت دائرة الاحتجاجات بالاتساع عملياً، وكذلك بدأت دائرة الناس الذين ألتقي بهم بالاتساع، وبدأ يتكون لدى المثقفين وأصحاب الرأي في تلك المنطقة رأي عام يميل إلى أن من يعسكر هذه الحركة هم المنتمون إلى التيار الإسلامي المتشدد.
تراكمت المواقف وصولاً إلى الجمعتين الأخيرتين، حيث بدأت تبدو للعيان مظاهر التدخلات الأجنبية في الحراك، وبدأ الناس يتلمسون ذلك بوضوح، فالمسلحون ليسوا من المنطقة، والذين يقودون الناشطين المسلحين يملكون سيارات بدفع رباعي مليئة بالأسلحة والذخائر، ويملكون وسائل اتصال حديثة متطورة ومناظير حربية متطورة أيضاً، إضافةً إلى مظاهر أخرى عديدة لها الطابع نفسه.
كوّن الأهالي انطباعاً عاماً أن مصدر هذه المظاهر المسلحة هو تركيا، فالسيارات التي تجوب المعرة والمنطقة كلها يومي الخميس والجمعة كلها سيارات دفع رباعي حديثة، وكلها تسير دون لوحات، وكانت هذه السيارات تعد بالعشرات.
كنت واحداً من الشباب هناك، وربما حزت بعض «الموانة» على الأهالي باعتباري ضيفاً عليهم فكان مباحاً لي ما لم يبح لأبناء المنطقة أنفسهم، فاستغليت ذلك بانتقاد تركيز الهجوم على عناصر الأمن، انطلاقاً من أن عنصر الأمن الذي يرى آلافاً تسير باتجاهه لابد أن يلجأ لإطلاق النار للدفاع عن نفسه، ولذلك اقترحت عدم مرور المتظاهرين بالقرب من مفارز الأمن، لاسيما وأن المفارز الأمنية واقعة في منطقة ضيقة جداً، فما المانع من المرور في شارع الكورنيش خلال التظاهر؟ وتم الاتفاق على هذا الأمر، فتحول مسير التظاهرات الجمعة الماضية (10 حزيران 2011) إلى الكورنيش مبتعداً عن مراكز الأمن أكثر من 500 متر.
مرت التظاهرة سلمية مئة في المئة، لدرجة أن هناك شباباً بدأوا بإزالة «الدواليب» والحجارة عن الطريق العام انطلاقاً من أن قطع الطريق فيه عدوانية، وكنت وأصدقائي في هذه الأثناء قريبون من الجسر المؤدي إلى مفرزة أمن الدولة، فلاحظنا بعض الأشخاص يتمترسون بأسلحتهم، ولاحظنا بعضاً آخر يلتف خلف القصر العدلي ويدخل من النوافذ لاعتلاء سطح القصر المكون من ثلاثة طوابق، بينما مفرزة الأمن هي بناء أرضي تحيط به حديقة، والقصر مشرف على المفرزة.. ثم بعد لحظات بدأ إطلاق النار على عناصر الأمن!.
بعد ذلك انكفأت المظاهرة وترك الناس التظاهر إلى بيوتهم، وفجأة ظهر مئات المسلحين وازدادت الدراجات النارية التي تحملهم، وبدأت حركة لمحاصرة مفرزة الأمن الأخيرة المتبقية، والتي تضم بين جدرانها 89 عنصراً.
هجم المسلحون على بناء المفرزة من الخلف وأحرقوا جزءاً منه لإخراج العناصر إلى المدخل الأمامي، وبدأ إطلاق نار كثيف عليهم من سطح القصر العدلي، وبعد ذلك أتت النيران على مبنى المفرزة وقتل واحد من العناصر فيما انضم البقية للمتظاهرين المبتعدين في تلك الأثناء.
المتظاهرون هم من حمى عناصر الأمن ووضعهم في بيوت آمنة في المعرة وتم نقلهم إلى مزارع خارج المعرة ومن ثم تم نقلهم إلى أماكن آمنة. ولكن يبدو أن عناصر الأمن أبلغوا أثناء محاصرتهم داخل المبنى بتفاصيل الوضع، فاستدعوا طائرة عمودية وصلت بعد الاشتباك الذي دام نحو الساعة أو أكثر بقليل.
قالوا في بعض القنوات الإخبارية إن الحوامة تقصف على المتظاهرين، ولكن لم يكن هناك أي متظاهر حين وصول الحوامة إلى المنطقة، وعندما وصلت الطائرة العمودية إلى المنطقة كان الهجوم قائماً على المفرزة، ولو أرادت أن تطلق النار لكانت قتلت العشرات، إذ كان هناك قرابة ألف مسلح يحيط ببناء المفرزة. وإنما كان الهدف من مجيء الحوامة هو استنزاف ذخيرة المسلحين في التصويب عليها، وعملياً في الاشتباكات لم يسقط أي قتيل من المسلحين.
وانتهى يوم الجمعة بحرق مفرزة الأمن والقصر العدلي مع وثائقه، وحرق جزء من المستوصف أيضاً، وعلى ضوء ما جرى في ذلك اليوم وعلى ضوء ما شاهده الناس بأم أعينهم من تحركات مسلحة تدل على وجود من يعبث بالتظاهر، تحركنا يوم السبت باتجاه تقييم أصداء تحضيرنا السابق، وبدأ الرأي يميل إلى تصديق وجود يد خارجية في الموضوع، وخلال النقاش ورد اتصال هاتفي من المعرة أن المسلحين هجموا باتجاه السجن وبيت مدير المنطقة ويخططون للتوجه إلى متحف المعرة، وهنا هبّ الناس من حولي وبدأوا اتصالاتهم للتوجه إلى المتحف بصدور عارية لحمايته من المسلحين، وتوافد الناس فعلاً وطوقوا ليس المتحف وحده وإنما أيضاً تم تطويق مكتبة أبو العلاء المعري وقبره، وكل مبنى له قيمة ثقافية أو اقتصادية.. وبعد ساعة تم تأمين كامل المباني الهامة بمساعدة أهالي القرى المحيطة بالمعرة، ورفع العلم السوري على كل المباني طبعاً.
وبعد ذلك تحركنا وأحد أصدقائي باتجاه جبل الزاوية (الجهة التابعة لأريحا)، وتحدثنا مع شباب هناك حول دخول الجيش السوري لحماية المعرة، فانفعل مستضيفنا وكتبنا بياناً أكد فيه أن الجيش السوري هو جيش الوطن وأفراده هم أخوتنا وسنستقبلهم بالأرز والورود، ثم أرسله إلى محطة «أورينت» و«وصال»، وجلسنا عند مستضيفنا وقتاً إضافياً فلاحظنا وجود تردد لديه تجاه البيان الذي أرسله ورأيناه معاً على الوكالات والمحطات الفضائية، ففضلنا عدم الضغط عليه وتركناه ومضينا عائدين باتجاه المعرة، ولدى خروجنا من المنطقة اجتزنا حاجزاً للأهالي، ثم تعرضنا لحاجز طيار اختطفنا على أيدي عناصره، وتم أخذنا إلى قسم يدعى بـ«قسم تحقيق الثورة في جبل الزاوية»، ثم إلى «فرع تحقيق الثورة»، وهو فعلاً فرع تحقيق مزود بتجهيزات حديثة من أدوات تعذيب كهربائية والتسجيل الصوتي وأدوات الإضاءة وصولاً إلى أدوات كسر الأصابع!.
في الفرع وجهت إلي تهمة شق صفوف الثورة، وبأنني علماني ملحد، وكانت عيناي معصوبتين ولم أستطع تحديد عمر الشخص الذي حقق معي، ولكن معظم الأصوات تدل على أن الموجودين من حولي هم من أبناء المنطقة، وتم سؤالي عن الجهة التي تقف ورائي وتدفعني للترويج لفكرة الحوار بينما الدبابات تستبيح المدن، وأشار المحقق إلى مسألة المخابرات السورية بلغة طائفية لافتاً إلى أن تهمة التعامل مع المخابرات التركية ليست تهمة طالما أن المخابرات التركية والجيش التركي هما جيش الأمة!.
وقد رافق التحقيق الشفهي طبعاً ضرب مبرح من كل الجهات وتم استخدام الكهرباء على جسمي، وكان الضرب قد بدأ منذ اخطافنا أنا وصديقي، واستمر التحقيق من الساعة الواحدة ليلاً حتى الساعة السابعة والنصف من صباح الأحد (12 حزيران 2011)، وكان الهدف هو تعذيبنا وإيصال رسالة إلى من يحرضنا لشق صفوف الثورة حسب قول المحققين، وتلا ذلك تهديدنا بأن المرة المقبلة التي يروننا فيها سيكون مصيرنا القتل، وهددوني متوعدين ومقسمين أنهم في حال رأوني مرة أخرى في المعرة أو جبل الزاوية أن يقطعوا ابنتي البالغة من العمر سنتان ونصف أمام عيني، وبأنهم سيقطعونني بعدها بوصفي «خنزيراً».
وكانت حصيلة تعذيبي حروقاً بالبلاستيك المشتعل في أنحاء متفرقة من جسمي، وتكسير ثلاثة أصابع في قدمي اليسرى، ناهيك عن آثار الضرب.
وبعد الانتهاء من التحقيق والتهديد، وضعوني معصب العينين في «طبون» سيارتي، وكان مغمى علي إلى أن أيقظوني بضرب رأسي على مقود السيارة نفسها، وعلى المقعد الخلفي كان صديقي ملقى بعد أن نال حصته من التعذيب. وطلب منا مغادرة المكان فوراً دون النظر إلى الخلف وإلاّ تم قتلنا.
نتيجة ذلك يمكن الجزم بأن الحراك الشعبي واع وقادر على التوجه نحو أهدافه الحقيقية دون قلق من سيطرة المسلحين عليه، خاصةً إذا كان هناك من يعمل على توجيهه بالطريق الصحيح وتطهير صفوفه من المظاهر الخارجة عن طبيعته، وخاصةً أولئك الذين يطالبون بإسقاط النظام بمعنى تقسيم سورية إلى دويلات طائفية وأثنية عبر الحقد الطائفي الأعمى، وبهذا المعنى أنا شخصياً من أشد المدافعين والمنافحين عن النظام، وأدفع دمي وحياتي ثمناً لبقائه، أما منظومة الفساد والبيروقراطية وتدجين سورية بشعبها واقتصادها وإمكاناتها فهذا ما لا أريده، وعلى كل مواطن شريف أن يطالب بإسقاط النظام».