في ذكرى معركة ميسلون المجيدة.. كم مشينا على الخطوب كراما والردى حاسر النواجذ فاغر
تصادف في الرابع والعشرين من تموز الجاري، الذكرى السابعة والثمانون لمعركة ميسلون المجيدة التي شكلت انعطافاً حاداً في تاريخ سورية الحديث، وأسست لعهد طويل من الثورات الوطنية المتلاحقة، وكرست بصورة ناصعة مفهوم المقاومة الشعبية كخيار أساس في مواجهة المحتلين والمعتدين.. في هذه المناسبة العظيمة، واستهلالاً للاحتفاء بدروس ميسلون وأبطالها ومعانيها، التقت «قاسيون» الأستاذ المؤرخ زهير ناجي، وحاورته في أهمية المناسبة، والظروف والمناخات التي كانت وما تزال، تحتم على شعوب هذه المنطقة اعتناقهم لمبدأ المقاومة في مقارعة أعدائهم والطامعين بأرضهم وثروات بلادهم، وكان الحوار التالي..
أدار الحوار الرفيقان: حمزة منذر ومحمد علي طه..
● عشية ذكرى معركة ميسلون، يؤكد تصاعد الأحداث، أن تموز الحالي، لن يقل ضراوة عن مثيليه في العام 1920، وتموز 2006، نتمنى أستاذ زهير لو نلقي الضوء على الإرهاصات التي سبقت معركة ميسلون لتعريف الأجيال الجديدة بها..
طيلة حياتي المهنية في مجال تعليم التاريخ التي تجاوزت الـ 40 سنة، علمت طلابي مبادئ عامة ترتبط بآلية حركة التاريخ والدوافع الأساسية لتطوره وانتقال المجتمعات من طور إلى طور، وقد أكدت دائماً في ما يتعلق بتاريخ المنطقة، أنه مع نشأة النظام البرجوازي في العالم، كانت آنذاك الطبقة الحاكمة القديمة في بلداننا تتكون من رجال الإقطاع ورجال الدين، وحين تشكلت البرجوازية، وكانت برجوازية طفيلية، راحت تعبر عن إيديولوجيتها الخاصة، وربطت مصيرها منذ لحظة ولادتها، أي منذ قرنين، بالبرجوازية الغربية بسبب مصالحها، وأظهرت استعدادها لخيانة الوطن، وبدا أنها، في معظمها، لا تهمها مصالح جماهير الشعب، وللأسف، فإن كتبنا التاريخية سواء أكانت مدرسية أو غيرها، تضلل القارئ العربي، ولم تفضح تاريخ هذه البرجوازية، والسبب في ذلك أن أولئك هم من أشرفوا على كتابتها..
ولاحقاً، ورغم أن هذه البرجوازية، لم تعد موجودة في السلطة بشكل مباشر، إلا أن كتب التاريخ الرسمية لم تطلها بسوء. وعموماً،لم يحدث أن طبقة حاكمة جديدة كشفت مساوئ طبقة حاكمة قبلها!!
وعودة لموضوعنا، فإذا عدنا بالزمن إلى الحرب العالمية الأولى، يتبدى لنا أن جزءاً كبيراً من البرجوازية العربية التزمت الصمت، ولم تحسم موقفها بانتظار نتائج الحرب، وحينها لم يكن بالإمكان إصلاح الدولة العثمانية، وعندما عرض على زعماء الحركة الوطنية في دمشق أنه ليس لنا من الدولة العثمانية خير يرتجى. قسم كبير منهم رفض العمل على الخروج عليها، ولكن بحماقة جمال باشا السفاح تم التخلص من الفئات الداعية إلى الإصلاح. هؤلاء الذين أعدموا كانوا يصرحون علناً أنهم فقط ضد سياستي التتريك، والاستبداد..
وهكذا لم يكن أمام الحركة الوطنية النهضوية العربية آنذاك إلا إعلان الثورة، وبالتالي اجتمع الوطنيون في دمشق، وأصدروا (بيان دمشق) وهذا البيان يغطي عليه المؤرخون، رغم أن الوطنيين حددوا فيه شروط محالفتهم للانكليز ومفاوضتهم. ووضعوا شروطاً واضحة جداً، شروطاً وطنية تفيد جميع الفئات والشرائح.
● ما أهم هذه الشروط؟
أهم هذه الشروط هو إقامة دولة عربية في آسيا العربية، دولة مستقلة متعاونة مع الإنكليز في إطار المصالح المشتركة.
الشريف حسين فاوض على أساس بيان دمشق، لكنه لم يصر على أي من شروطه، والحقيقة أنه ثمة من يقول أن الشريف حسين كان بسيطاً، وقد خدعه مكماهون، وهذا ينافي الحقيقة، فالشريف حسين لم يكن بسيطاً، لقد عاش فترة طويلة من حياته في استانبول، حصل من خلالها على تجربة كبيرة ومعارف كثيرة في السياسة وغيرها، لكنه كان استبدادياً، والرسائل المتبادلة بينه وبين مكماهون كانت واضحة وتنذر بما سوف يحصل لاحقاً!!
● الخديعة الكبرى أنه من خلف هذه الرسائل والمفاوضات كان يتم الإعداد لسايكس – بيكو.. كانت تجري مفاوضات سرية بين الفرنسيين والانكليز لاقتسام تركة الرجل المريض.
الخديعة الكبرى هي لو أنهم قالوا له سنعطيك كل شيء، ولم يعطوه شيئاً.. لقد أكدوا له، أن تحالفاتهم مع الكويت والبحرين وقطر وجنوب الجزيرة. كان الرجل يريد عرشاً وهذه علة الهاشميين.
● النتيجة: قامت الثورة ووصل الهاشميون إلى دمشق.
قبل دمشق، وصل فيصل إلى العقبة، وتم تحريرها، وكان هناك ما نعرفه الآن بـ (لورانس العرب) الذي كان عميلاً مزدوجاً صهيونياً انكليزياً، فساعد في اجتماع فيصل مع الصهيوني حاييم وايزمن في العقبة 3 كانون الثاني 1918. يقول نجيب صدقة: وتصادق الرجلان (وايزمن وفيصل)، ويُعتَقد أن وايزمن قال لفيصل: ما شأنك بأبيك؟ تعال نتفاهم نحن وأنت، ما رأيك أن نعطيك مملكة في بلاد الشام؟ وربما وضعوا مشروعاً مشتركاً في هذا الإطار.
هذا المشروع تحول فيما بعد إلى معاهدة على أساس أن يقبل فيصل بالمشروع الصهيوني. وأعتقد أن فيصل قد وقع في فخ من وقت توقيعه للمعاهدة.
● لقاء فيصل- وايزمن الذي لم يكن مكشوفاً، تم كشفه بعد سنوات، المهم أن فيصل جاء إلى دمشق ورأى أن النهضويين الدمشقيين لا يعرفون باتفاق فيصل وايزمن، ولذلك نصب ملكاً.
دخل فيصل دمشق في 3 تشرين الأول 1918، وبقي فيها حتى 8 آذار 1920، وقد نصب ملكاً، من قبل النهضويين بدمشق، وتشكلت الحكومة، ولكن الإتكليز والفرنسيين لم يعترفوا بذلك وأصروا على تسميته: (قائد القوات الحليفة)، والحقيقة أن هذه الدولة أو المملكة لم تكن مستقلة، ولم تكن هناك وزارة أصلاً، فيصل لم يكن واضحاً إطلاقاً وكان يكذب على الناس وأعلن مملكة مستقلة ولم تكن مملكة مستقلة إطلاقاً.
ولم تكن هناك وزارة أصلاً عبارة عن مديريات تسيّر الأعمال... وذهب إلى فرنسا للاشتراك في مؤتمر الصلح. قال له الفرنسيون نستقبلك كقائد للقوات الحليفة، ولوحوا له إذا سرت معنا يجب أن تتفق مع الحركة الصهيونية، قيل له تعترف بالصهاينة ووعد بلفور في فلسطين، وهم يعتبرونك ملكاً على سورية.
وقد قابل وايزمن 3 كانون الثاني 1919 قبل مؤتمر الصلح، وجرت معاهدة، ذكرها نجيب صدقة. ومن هنا تبدأ الكارثة، وهذه المعاهدة تفسر كل تصرفات فيصل اللاحقة.
المعاهدة موقعة بقلم فيصل نفسه، المؤرخون البرجوازيون يخدعوننا. بعد المعاهدة ذهب فيصل إلى باريس وقابل زعماء الحركة الصهيونية، تنازل فيصل عن الأرض مقابل العرش بخلاف ما يزعم بعض المؤرخين. الصهاينة في 3 شباط قدموا مشروعهم، وفيصل في 6 شباط تكلم بالمشروع. قال: هؤلاء اليهود أولاد عمومتنا ونحن بحاجة إليهم!
والصهاينة هم الذين سرّبوا أخبار المعاهدة للبرجوازية الشامية، لأن قادة البرجوازية كان عندهم شكوك أن فيصل يكذب. حتى الشريف حسين عندما أرسل إلى المنفى اعترف بمشروع الاتفاق بين فيصل ووايزمن.
وقع مشروع الإتفاق بين فيصل ووايزمن في 3 كانون الثاني 1919، وهو يقع في تسع مواد، نقتطف منها الفقرات التالية:
(المادة الاولى – يجب أن تسود الدولة العربية وفلسطين، في جميع علاقاتها وأعمالها، روح تفاهم تام قائم على أساس الإخلاص وحسن النية. ولهذه الغاية يوفد ممثلون عرب ويهود مفوضون تفويضاً رسمياً، إلى كل من البلدين).
(المادة الثانية – تخطط الحدود النهائية بين الدول العربية وفلسطين بواسطة لجنة يتفق عليها الفريقان حالما تتم مفاوضات مؤتمر السلام).
«المادة الثالثة – تؤخذ جميع التدابير وتعطى أفضل الضمانات لتطبيق تصريح الحكومة البريطانية الصادر يوم 2 تشرين الثاني 1917 حين وضع دستور حكومة فلسطين ونظامها الإداري» .
«المادة الرابعة – تتخذ كل التدابير لتشجيع الهجرة اليهودية.. وتهيئة الظروف لإسكان المهاجرين اليهود في الأراضي الفلسطينية. وتصان حقوق الفلاحين العرب، ويساعدون في تقدمهم الاقتصادي».
والواقع أن المعاهدة موجودة وموقعة. وقد نشرت صورة زنكوغرافية عنها، وعن توقيع فيصل
وأصبح فيصل أسيراً لأخطائه الفادحة، وعندما رجع من مؤتمر السلام وواجه هذه الحقائق وكذّب الذين واجهوه بها.
● هل يمكن الاستنتاج أن فيصلاً جيء به إلى دمشق واعترف به ملكاً من أجل أن يروض النهضويين الدمشقيين للقبول بهذا المشروع، والدليل على ذلك أن الوزارة دخلتها شخصيات وطنية مثل ساطع الحصري ويوسف العظمة؟؟
كان فيصل حتى آخر لحظة، يريد أن يتفق مع الانكليز والصهاينة، ومع الفرنسيين، حتى بعد معركة ميسلون.. الرجل كانت مشكلته أن سلّم نفسه مثل الحكام العرب الحاليين للإمبريالية جسداً وروحاً. وخدع الجماهير.
● شكراً على هذا التمهيد التاريخي المهم، ولكن لندخل الآن إلى لب الموضوع.. فبين 8 آذار تاريخ تشكيل الحكومة، و12 تموز 1920 تاريخ إنذار غورو، كان هناك مدة زمنية تتجاوز أربعة أشهر.. ماذا جرى أثناء ذلك؟؟
في زيارة فيصل الثانية لانكلترا ـ الانكليز قالوا له نحن اتفقنا مع الفرنسيين، اذهب واتفق معهم أنت أيضاً.. ذهب فيصل واتفق مع كليمنصو ووضعا مشروع معاهدة قال كليمنصو لفيصل: إذا وافقت الطبقة الحاكمة الوطنية في سورية على هذا المشروع تصبح أنت ملكاً تحت الانتداب الفرنسي.
عاد فيصل من فرنسا حاملاً معه اتفاقاً، وهو قبول الانتداب الفرنسي، ووعد أن يبذل ما بوسعه لإقناع الوطنيين السوريين به، الوطنيون السوريون لم يكن بإمكانهم فعل شيء وقد اطلعوا على الأمر إلا محاولة إجبار فيصل على أن يكون أكثر وطنية، وهكذا رفض فيصل أن يكون ملكاً على عرش من الطين.
● إذاً الوطنيون في سورية هم من جروه ليكون ملكاً وطنياً، بينما فيصل ظل يحاول إقناعهم بالمشروع الفرنسي والإنكليزي؟
كان فيصل يصب كل جهوده طوال أكثر من ثلاثة أشهر، لإقناع السوريين بالقبول بهذا المشروع، لكن السوريين اجتمعوا في 7 آذار وحزموا أمرهم وأعلنوه ملكاً. ورفعوا العلم.
هذا الإعلان الوطني رفضته فرنسا وأمريكا وانكلترا وأعلنوا أنهم لا يوافقون عليه. لقد رفضوا هذا الإعلان، وأعلموا السوريين أن عليهم أن يتركوا هذا الأمر لمؤتمر فرساي.
الآن من 8 آذار، وحتى وقوع معركة ميسلون، جرت صراعات هائلة جداً، وصار الفرز واضحاً بين الوطني الرافض للإذعان، وغير الوطني المرتبك والمرتجف.. وبرزت هنا مشكلة: في كل دول العالم البرلمان يقرر إلاّ في بلادنا، البرلمان يقرر شيئاً والحكم يصر على عمل شيء آخر معاكساً!! قال البرلمان الذي رفض الإنذار لفيصل إنك ملك دستوري، ويجب أن تخضع لمشيئة البرلمان، وعليك أن تخضع لما قالته الأمة وترفض الإنذار جملة وتفصيلاً.
لكن فيصل حاول إغراء الضباط كل واحد على انفراد.. الأغلبية الساحقة رفضت حينئذ حلّ البرلمان والجيش، لكنه أصر على حل كل منهما ليتفرد بقراره!!
● ماذا كان موقف يوسف العظمة والجماهير في سورية؟
تمردت الجماهير بتحريض من بعض الوطنيين.. جماهير دمشق دخلت القلعة لتأخذ السلاح من القلعة لأجل القتال، فقام الأمير زيد شقيق الأمير فيصل بإعطاء الأوامر بإطلاق النار عليهم متهماً إياهم إنهم رعاع.. لكن حركة التمرد الشعبية استمرت، وحصل الناس على السلاح، وكان هناك محرضون وطنيون ممتازون منهم محمد كامل القصاب وعدد من رجال الدين الوطنيين وكان على رأس هؤلاء البطل يوسف العظمة.
● إذاً مجموعة من الوطنيين هم الذين قادوا حركة التمرد ودخلوا القلعة وأخذوا السلاح وانبرى يوسف العظمة إلى قيادة هؤلاء إلى وادي زرزر..
فصائل من الجيش السوري المرابطة في جبال لبنان كان تنسحب باتجاه دمشق، وحين وصل تلغراف بعلبك المشهور، أخبرت هذه الفصائل أن الجيش الفرنسي يتقدم نحوهم، وكان هناك مقدم وطني اسمه حسن الهندي من هذا الشعب الطيب، وكان قائداً للمدفعية، فاتخذ تدابير من تلقاء نفسه من دون دراية أحد، فأوقف الانسحاب ونصب البطاريات..
● قبل أن يصل يوسف العظمة؟
نعم نصب البطاريات في عقبة الطين في وادي زرزر. واتخذ لنفسه خطة. وأخبر المسؤولين في دمشق، فاتخذ يوسف العظمة قرار المواجهة.
في دمشق صارت المداولة بين فيصل ويوسف العظمة، وقال الملك: سأرسل لك الإمدادات.. خرج يوسف العظمة من الشام مع المتطوعين إلى ميسلون، تحت القصف.. يذكر ساطع الحصري أن يوسف العظمة قبل ذلك قد أوصاه بابنته الوحيدة قائلاً: «ليلى أمانة في عنقك»..
حين وصل يوسف العظمة إلى ميسلون، كان ميدان المعركة واضحاً جداً... والقوة الرئيسية صارت على مقربة من وادي زرزر.
كان لدى الفرنسيين حوالي 10000 جندي، عبارة عن فرق ضباطها فرنسيون، أما الجنود فهم من جنود المستعمرات.
استعرض الفرنسيون قواتهم في جديدة يابوس، وتقدموا في 24 تموز بالدبابات، كان مركز قيادة يوسف العظمة (عقبة الطين).. واشتعلت المعركة غير المتكافئة، واستمرت من الساعة 5 صباحاً إلى 10 صباحاً.. وانتهت باستشهاد يوسف العظمة وعددٍ كبيرٍ من رفاقه..
كذلك معظم الضباط الذين كانوا على رأس فصائلهم استشهدوا، وخاصة أولئك الذين كانوا في الخط الأمامي. كان عدد الشهداء 500 شهيداً. والمتطوعون كانوا خمسة آلاف.
حسني صبح يقول بعد ثلاثة أيام ذهبنا إلى ميسلون لدفن الموتى، وجدنا أن الفرنسيين قد قتلوا كل الجرحى.
مشكلتنا أننا لا نملك إحصاءات دقيقة خصوصاً أن الأبطال الذين شاركوا في المعركة قد رحلوا..
● إذاً كان عدد العسكريين بين الجيش النظامي حوالي 500 والمتطوعين حوالي 5000 وقد استشهد حوالي 1500 فهذا أقرب ما يكون للواقع .
هناك مشكلة أخرى أن أحداً لا يعرف بدقة أين دفن هؤلاء الشهداء؟!
ميسلون لم تكن سوى معركة إنقاذ شرف سورية. قال يوسف العظمة: نقاتل كي لا يقال إن الفرنسيين دخلوا سورية دون قتال..
● هل لديك معلومات عمن جروا عربة غورو؟
صديقنا الأستاذ المخرج أمين البني قال إن هناك صورة لهؤلاء. هؤلاء يجب كشف أسمائهم. وقد كانوا برمتهم من أنصار فيصل..
وقد جاء في حديث «أبو ابراهيم» عمر البلهوان شيخ حي قبر عاتكة، لرجال أحياء دمشق في عام 1919 قوله: لقد جاءني شكري الطباع وأخبرني أن عملاء فرنسا أعطوه هو وآخرين مبلغاً كبيراً من الليرات الذهبية لتوزيعها على كل من يتعهد بعدم محاربة الفرنسيين عندما يدخلون دمشق (وكان الفرنسيون يومها في لبنان والساحل السوري)، وقال إنهم سوف يدفعون مالاً كثيراً إذا دخلوا دمشق من غير قتال.
وعقب ذلك انطلق عمر إلى وجوه أحياء دمشق ورجالاتها. ودعاهم للاجتماع في بيته وعندما حضروا وقف بينهم قائلاً... يا قوم هل فيكم خائن... فقالوا كلا يا أبا إبراهيم ... خسئ الخونة العملاء .
قال عمر: لقد اجتمعنا اليوم لنقسم على المصحف والسيف ألا نخون بلادنا.. وألا ندع الأجنبي يدخل أرض وطننا إلا على أجسادنا، وهكذا أقسم الحاضرون قسم رجل واحد.. ثم انطلقوا إلى أحيائهم يستثيرون همم المواطنين لمجابهة الأعداء الطامعين. وفي آب عام 1920 حكم الفرنسيون على عمر البلهوان بالإعدام.. واقتحموا بيته ونهبوا ما فيه من مال وأثاث.... فهرب إلى حيفا وبقي فيها حتى عام 1923 حيث رفع حكم الإعدام عنه.. فعاد إلى بيته وتابع نشاطه ضد المحتل. وحين اشتعلت الثورة السورية الكبرى عام 1925 قاتل في صفوفها، وفي عام 1926 حكم عليه بالإعدام ثانية، فهرب إلى جبل العرب، حيث تابع مشاركته بالثورة مع البطل سلطان الأطرش..
الخلاصة: أن ميسلون كانت بحق منعطفاً هاماً في تاريخ نضال الشعب السوري من أجل الحرية والاستقلال، وقد استمر هذا الشعب في مقاومته لجميع أشكال وأنواع المشاريع الاستعمارية ولايزال هذا النضال مستمراً حتى الآن.