الافتتاحية تخدير «سلمي» لمسار «عدواني»

منذ أن أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي كلينتون عن عقد مؤتمر السلام في مدريد أواخر العام 1991 تحت شعار الأرض مقابل السلام، وتجاوز قرارات مجلس الأمن الواجبة التنفيذ بالانسحاب الإسرائيلي الكامل لحدود 4 حزيران 1967، وارتضاء العرب بالولايات المتحدة «راعياًَ وحيداً» لعملية السلام،كانت النتائج على الأرض كارثية، حيث سلم العرب بالسلام كخيار استراتيجي وحيد، وأسقطوا خيار المقاومة من حساباتهم، وأصبحت مهمة النظام الرسمي العربي الأولى ضرب القوى المقاومة، وتفتيتها، واستجداء الحلول من واشنطن وتل أبيب بغض النظر عن استمرار الاحتلال، وتهويد الأرض، واقتراف المجازر الصهيونية المدعومة جهاراً نهاراً من الولايات المتحدة الأمريكية بحق العرب!

والآن وبعد مرور ستة عشر عاماً على مؤتمر مدريد، وتراجع واشنطن عن كل «وعودها» بالسلام، وبعد احتلال العراق، والإعلان عن مشروع الشرق الأوسط الكبير، وفرض المواجهة العسكرية على شعوب المنطقة، وبعد حرب تموز 2006 على لبنان واتهام سورية وإيران وحزب الله «بزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة»، يخرج علينا جورج بوش باقتراح «عقد اجتماع دولي في الخريف القادم تترأسه وزيرة الخارجية كونداليزا رايس يحضره كل من الإسرائيليين والفلسطينيين وجيرانهم في المنطقة، لبحث الظروف المناسبة للسلام».
وانطلاقاً من مقولة: «من جرب المجرب، عقله مخرب»، فإن اقتراح الرئيس بوش ليس أكثر من تخدير سلمي لعملية عدوانية واسعة يجري التحضير لها ضد لبنان وسورية وإيران، وغيرها من بلدان المنطقة، بعد فشل الأهداف الكبرى لحرب تموز التي جرت العام الماضي في لبنان. وإذا كان من بين  الأهداف المباشرة لاقتراح الرئيس بوش، خلق غطاء مناسب، وهامش مناورة للنظام الرسمي العربي، و«قيادته الرباعية» للتحرك، واستكمال الدور على صعيد إخماد خيار المقاومة، والإرادة السياسية لشعوب المنطقة ضد الاحتلالين الأمريكي والصهيوني بحجة بروز مبادرة أمريكية جديدة للسلام، فإن شعوبنا لن تسمح لنفسها بأن تساق إلى حتفها كما في السابق.
فمنذ بداية عام 2005، فرضت واشنطن على مجلس الأمن الدولي إصدار عشرة قرارات تحت الفصل السابع ضد شعوب لبنان وسورية والعراق وإيران، وعلى الأرض، طلبت الولايات المتحدة من الكيان الصهيوني القيام بحرب تموز ضد لبنان، وبعد الهزيمة رغم إطالة أمد الحرب 33 يوماً، قام الجيش الأمريكي بالاشتراك مع جيش العدو الصهيوني بمناورات جوية وبرية في صحراء النقب غير مسبوقة، إضافة إلى إمدادات عسكرية جديدة ونوعية لتل أبيب عشية مناوراتها الأخيرة في الجولان المحتل، ناهيك عن التهديدات والضغوط الهائلة ضد سورية، ليس أقلها الاتهام بتهريب السلاح إلى لبنان، والتلويح بسيناريو نشر قوات دولية بين سورية ولبنان..

أمام هذه الوقائع ليس أمام شعوبنا، وأمام سورية على وجه الخصوص، إلا الاستعداد لخيار المواجهة القادمة، وتعبئة قوى المجتمع على الأرض، والتزام خيار المقاومة الشاملة، وهذا يتطلب قبل أي شيء:

 ● عدم الركون مطلقاً إلى «الطروحات الأمريكية الإسرائلية» حول السلام، لأن لدى واشنطن وتل أبيب استراتيجية عدوانية توسعية لا مكان فيها للسلام، وتجاربنا مع هذا التحالف العدواني لاتسمح لنا بترف تكرارها مجدداً، فعندما يكون الوطن في قلب الخطر، لن يكون هناك خيار إلا خيار المقاومة، وشعبنا قادر عليه، وسيكون محكوماً بالانتصار كما فعل أسلافنا العظام.

● ولأن المرحلة حساسة ونحن أمام عدوان يتسارع، فلابد أن تكون عملية اجتثاث قوى النهب والفساد الكبير بين أهم الأولويات الوطنية في هذا الظرف العصيب، خصوصاً أن الأمن الوطني يرتبط اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بالأمن الاجتماعي.

● إن جملة المخاطر التي تحدثنا عنها، وهي ماثلة للعيان، تتطلب دون إبطاء، إطلاق حوار وطني شامل تساهم فيه قوى المجتمع كافة، ليس فقط بهدف مواجهة مخاطر العدوان، بل من أجل الإسهام في تعزيز الوحدة الوطنية، وحل الصعوبات الاقتصادية- الاجتماعية التي تواجه البلاد، وهذا هو طريق الإصلاح الأسلم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعلمياً.