الاحتمالات... مفتوحة
لو كان الانتصار العسكري في المنطقة مضموناً، في «جيب» فريق بوش، لما رأينا الانقسام في معسكر السياسيين الأمريكيين من ديمقراطيين وجمهوريين الذين هم كما تثبت أحداث التاريخ، وجهان لعملة واحدة في نهاية المطاف، وهي مصالح الامبريالية الأمريكية.
واقتراب الهزيمة دائماًُ يقسم صفوف الفريق المهزوم، وهو الآن امتياز لنا يجب الاستفادة منه إلى أقصى حد، دون بناء أوهام حول آفاقه، لأن المؤسسة الحاكمة الأمريكية محكومة بالحرب وبتوسيع رقعتها، وهي ستقوم في الظرف الحالي بجملة من المناورات والحركات التبادلية للأهداف المقترحة بغية الخروج من المأزق.. والمعروف أن الثور الجريح أخطر دائماً من الثور المعافى، لأنه يفقد صوابه، وهو بحاجة في هذه الحالة إلى مصارع ثيران ماهر ورشيق كي يسدد له الضربة القاضية، وإعلان النصر قبل القضاء عليه محفوف بالمخاطر الكبيرة.
وحقيقة ما أقره الكونغرس الأمريكي في 21 أيار من دعم مالي للقوات الأمريكية دون جدولة الانسحاب، كما كان يطالب بعض الديمقراطيين، كشفت عنه بعض وسائل الإعلام أنه لايتعدى كونه اتفاقاً بين اللصوص الكبار على خصخصة النفط العراقي لصالح الشركات الأمريكية تحت حجة تأمين إعمار العراق، وهنا بيت القصيد، فالحرب في لغتهم هي أداة لمزيد من النهب لإرواء عطش الآلة الأقتصادية العسكرية الأمريكية التي تتنفس، كما يقال، من رئة حديدية، وإلا، دون ذلك الاختناق... لذلك إذا كنا أمام تداعيات تخبط أمريكي، إلا أن ذلك لن يعني بتاتاً انسحاباً آمناً إلى البر الأمريكي، بل سيبقى البحث عن رقعة جديدة لتوسيع الحرب هدفاً دائماً للامبريالية الممثلة بالمؤسسة الحاكمة التي تترك لأحزابها المختلفة ممارسة شعوذة الاختلاف حول التفاصيل كي نقتنع - نحن «السذًّج» - بديمقراطيتهم.
إن منهج التحليل الكلي والشامل لظاهرة الإمبريالية الأمريكية، هو الذي يسمح برؤية واستشراف سلوكها الحالي واللاحق دون الوقوع في أخطاء في التقدير، يمكن أن تكلف كثيراً.. هذه الأخطاء التي تقع بسبب التحليل الجزئي الانتقائي لسلوكها في بقع جغرافية محددة دون النظر لجوهرها كظاهرة كونية في عالمنا الحالي. فالانطلاق فقط من المأزق الامريكي في العراق دون ربطه بالمكونات الأخرى للسياسة الأمريكية، يمكن أن يفضي إلى أخطاء جدية في التحليل وفي التنبؤ اللاحق لسلوك هذه القوة العظمى المشارفة على الانهيار..
وفي الواقع، إذا نظرنا إلى ما يجري في منطقتنا من انهيار اتفاق مكة الذي جرى بسبب «اللحديين الجدد» في فلسطين المدعومين من إسرائيل وأمريكا وبعض دول ما يسمى بالاعتدال العربي، إلى إعلان المحكمة الدولية تحت البند السابع لاستخدامها كأداة تدخل سريع في شؤون المنطقة، ومروراً بتوتير الأوضاع في لبنان، وإيصال الحلول السياسية فيها إلى طرق مسدودة تجهيزاً للفتنة الكبرى، لأمكننا الاستنتاج أن المخاطر تزداد، والسماء ملبدة أكثر من أي وقت بغيوم ستحمل أمطار العنف والفوضى والحرب.
إن الامبريالية الأمريكية في وضع لاتحسد عليه، وهي مضطرة إلى توسيع رقعة حربها، وإلى حين تقرر في أي اتجاه، تبقى جميع الاحتمالات مفتوحة، إن لم يكن على بعضها جميعاً، فعلى جزء منها حتماً..
إن المقاومة العالمية للاستبداد الأمريكي في ازدياد، وبقدر ما نندمج فيها بسياسات فعالة على جميع المستويات، وبخاصة الداخلية منها على المحاور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بقدر ما نضمن كرامة الوطن والمواطن التي هي فوق كل اعتبار...