مستوى نوعي جديد

مستوى نوعي جديد

مع خروج وزيري الخارجية الروسي والأمريكي، بمشاركة إضافية من المبعوث الدولي إلى سورية، إلى المؤتمر الصحفي، الذي أعقب ساعات طويلة من الاجتماعات الثنائية والثلاثية في جنيف، يوم الجمعة 9 أيلول الجاري، يمكن القول أن الأزمة السورية دخلت طوراً جديداً من الصراع، ضمن إحداثيات تثبت الدفع باتجاه الحل السياسي لها قدماً، وتفتح أمامه باباً جدياً للتبلور، على أساس القرار الدولي 2254، دون أن يعني ذلك عدم وجود صعوبات وعراقيل ستعترض هذا المخاض العسير، ولكنه الأخير على الأرجح.

 

 

الوزيران تحدثا عن خمس وثائق متفق عليها فيما بين حكومتيهما، تغطي ضمن آجال زمنية محددة وقريبة، بدءاً من أول أيام عيد الأضحى، مسائل التنسيق الجيد في مكافحة الإرهاب، وتوسيع إيصال المساعدات الإنسانية، وتعزيز نظام وقف الأعمال العدائية، والإجراءات المتخذة في حال خرقه، واستئناف المحادثات السورية- السورية في جنيف. غير أن اللافت في الأمر هو وضوح حجم الاختراق الذي أحدثه الجانب الروسي على حساب المماحكة من الجانب الأمريكي.

وفي هذا السياق تمكن «الروسي» من تثبيت جملة من الوقائع أمام «الأمريكي» المضطر بحكم أزمته لتوافق «الضرورة»، ضمن درس تلقيني واضح:

- تحميل الجانب الأمريكي مسؤولية التأخير في تثبيت نظام وقف الأعمال العدائية، وإقرار الوزير كيري بذلك، على الرغم من تلطيه خلف اللغة التبريرية التي تحدثت عن مسؤولية النظام السوري فقط. 

- تثبيت وجود مركز مشترك لمراقبة وقف الأعمال العدائية- بناءً على الوضع الميداني الراهن- وفي فترة لاحقة قيام عمليات جوية مشتركة ضد داعش والنصرة.

- تثبيت أن مشاركة واشنطن أخيراً في مكافحة جبهة النصرة «ليس تنازلاً لروسيا»، بل هي ضرورة أمريكية ودولية- كما كانت تؤكد موسكو دائماً، مع الغمز من قناة وجود الخطة-ب لدى الدوائر الأمريكية لاستخدام النصرة في إطالة أمد الصراع السوري. 

- وهذا يعني تثبيت «قرار إعدام» داعش والنصرة، ومن يتعاون معهما، أي تثبيت الفصل بين «الفصائل المسلحة المعتدلة» والمجموعات المصنفة دولياً على أنها إرهابية، وهو ما اضطر كيري للنطق به صراحة رغم كل المماطلات السابقة بهذا الصدد.

- الاستباق على الأمريكي الذي يعول على قدرة أو عدم قدرة موسكو في «الضغط على النظام للالتزام ببنود الاتفاق»، ولاسيما وقف الأعمال العدائية، بأن الحكومة السورية على علم مسبق بهذه البنود وهي مستعدة للالتزام بها.

- تثبيت ضرورة التمثيل الشامل للسوريين في مفاوضات جنيف، وانتقاد السعودية ضمناً التي تحاول الترويج لوجود «هيكل وحيد يمثل المعارضة ولجنة عليا ما للتفاوض باسمها»، في إشارة إلى «منصة الرياض»، ورفض موسكو لدعوة هذا التشكيل إلى مجلس الأمن بغية انتزاع اعتراف يقونن وضعه المختلق، في تناقض سافر مع القرار 2254 وبيانات المجموعة الدولية لدعم سورية، وأن «على هذه الدول أن تعي مسؤولياتها إزاء استمرار معاناة السوريين وأن تترفع عن حساباتها الضيقة».

- تثبيت ضرورة تحلي الدبلوماسيين بالقدرة على الابتكار في حل الأزمات والملفات الدولية العالقة عوضاً عن المنطق الأمريكي السائد في فرض العقوبات والتصعيد، مع الاستشهاد بأمثلة عن الحلول الدبلوماسية المبتكرة بجهد وإسهام من موسكو، بالدرجة الأولى.

إن من شأن ما تم الإعلان عنه في جنيف وعلى الرغم من الصعوبات والعراقيل كلها التي يمكن أن تعترضه، بحكم تداخل القوى وتشابك المصالح في الأزمة السورية، أن يوفر أرضية جدية ليس لاستئناف مسار جنيف فحسب، بل ولإنجاحه أيضاً، وهو ما تعمل عليه الدبلوماسية الروسية على أكثر من صعيد، بما فيه التواصل مع أطياف المعارضة السورية كلها، لتحضير أجواء التفاوض اللاحق المرتقب على المدى المنظور تماماً.