الافتتاحية الحكومة.. من الإعلان إلى النتائج
بعد أعوام من أداء الطاقم الحكومي الحالي بتكوينه الرئيسي، يطرح على بساط البحث تقييّم هذا الأداء، ما له؟ وما عليه؟
في البدء يجب القول إن أي تقييم كي يكون موضوعياً، يجب أن ينطلق، ليس من مقارنة هذا الأداء بما سبقه، وإنما من توافق هذا الأداء مع ضرورات الواقع ومتطلباته الحالية..
ولابد هنا من الاشارة، أنه لو مارست السلطة التشريعية دورها المحاسبي بشكل حقيقي تجاه الحكومة، لأمكن في وقت مبكر تصحيح وتصويب الكثير من خطواتها التي أثبتت الحياة أنها لاتسير في الطريق المطلوب.
فبقاء الحكومة خارج المحاسبة الفعلية لمجلس الشعب الذي يلعب بطريقة تكوينه وانتخابه دوراً هاماً في الوصول إلى هذه النتيجة، سمح لها أن تبقى خارج دائرة النقد الحقيقي الذي كانت ملامحه تتفاعل في المجتمع، ولم تنعكس في الوقت المناسب في مجلس الشعب، وبالتالي على أدائها.. والنتيجة هي خسارة وقت ثمين وهام كان يمكن الاستفادة منه في الانطلاق الجدي لتأمين كل مقومات الصمود والممانعة والمقاومة..
والمفارقة إنه حين نأتي اليوم لتقييم الأداء الحكومي، يبقى هذا الموضوع عائماً وضبابياً في جوانب هامة منه، بسبب طبيعة البرنامج الحكومي نفسه الذي نالت الثقة على أساسه مع بداية عملها.
فهذا البرنامج إذا أعيدت قراءته اليوم، فإن أقساماً هامة منه، تبدو أنها صالحة من حيث الصياغة لكل زمان ومكان، بمعنى آخر، لم يكن في البيان الحكومي التزامات بأهداف ملموسة وعملية ضمن فترة زمنية محددة.
فالبيان الحكومي لم يحدد كيف سيحل قضية مستوى المعيشة، وضمن أي إطار زمني، كما أنه لم يحدد التزامات واضحة تجاه قضية البطالة والآجال الزمنية لحلها، إن كانت عاجلة أم آجلة..
والبيان الحكومي السابق لم يحدد بوضوح مطارح الموارد التي سيحصّلها لتأمين النمو المطلوب، ناهيك عن أنه نفسه لم يضع قضية النمو كهدف ملزم له ضمن أرقام وأزمان محددة.
وقد يقول قائل: إن الخطة الخمسية العاشرة قد عالجت هذه الأمور، ولكن أية خطة ليست بديلاً للبيان الحكومي الذي تحاسب أية حكومة على أساسه، وآجالها هي غير آجال عمر الحكومة والتزاماتها..
إذاً: المشكلة كما أكدنا دائماً، تكمن في أن الأداء الذي ينعكس في الوزارات السيادية التي تعبر عن الخط العام للقيادة السياسية للبلاد، لايتوافق مع الأداء الحكومي للوزارات المسؤولة عن القضايا الاقتصادية ـ الاجتماعية. بل إن الأداء الحكومي في هذا المجال لايرتقي إلى مستوى ضرورات المواجهة التي يعبر عنها الموقف والخطاب السياسي، بل إنه يسير أحياناً وموضوعياً، في اتجاه معاكس لهذا الموقف وهذا الخطاب..
وهذا التناقض لايجوز أن يستمر، ويتطلب حلاً جدياً لأنه يهدد في الصميم، في حال استمراره، متطلبات المعركة الوطنية الكبرى المفروضة على وطننا من العدو الصهيوني ـ الأمريكي...
وإذا تجردنا عن البيان الحكومي الذي لم يكن فيه التزامات محددة تُحاسَب عليها الحكومة، وانطلقنا من الواقع الملموس لرأينا:
ـ أن مستوى المعيشة الفعلي للأغلبية الساحقة من الناس قد انخفض فعلياً خلال السنوات القليلة الماضية، وإذا كان وسطي دخل الفرد، كما يؤكد المسؤولون قد ازداد، فهذا يؤكد أن الأغنياء قد ازدادوا غنى، وأن الفقراء قد ازدادوا فقراً.
ـ أنه لم تجر محاربة جدية للفساد، بل قد استفحل بشكل عام، ولو أنه قد تلقى بعض الضربات في بعض مواقعه، إلا أن وتيرته وحجمه لم يجر عليهما تطور جدي يذكر، إلا باتجاه زيادتهما على الأرجح.. صحيح أنه قد بدأ يتكون مناخ جدي معاد للفساد في المجتمع، ولكن ذلك يخلق فقط إمكانية القضاء عليه واجتثاثه، هذه الإمكانية التي يمكن أن تتحول إلى واقع، ويمكن أيضاً ألا تتحول..
ـ أن إصرار الفريق الاقتصادي على رفع الدعم عن المواد الأساسية، يعبر عن ضيق أفق سياسي، وعن موقف اجتماعي لايسير باتجاه مصلحة أوسع الجماهير الشعبية تحت شعارات شعبوية «ماأنزل الله بها من سلطان»، كما أن عودته المستمرة إلى هذه النغمة رغم الصد والرفض الذي يتلقاه، ليست مصادفة، وتتطلب تحليل جذور وأسباب هذه الظاهرة التي على الأرجح ليست بريئة تماماً، ولايمكن تبريرها بالحسابات والأرقام التي يقدمها هذا الفريق..
ـ أخيراً: إن نسب النمو المعلنة يجب أن تكون خاضعة للنقاش لمعرفة مصداقيتها أولاً، والتأكد من مصادرها ثانياً. فإذا كانت هذه المصادر غير حقيقية، أي حسابية على الورق، لكان معنى ذلك أنه يجري إخفاء الحقيقة، والالتفاف عليها، وخلق ظروف غير ملائمة بتاتاً لأي تطور حقيقي لاحق..
وفي نهاية المطاف، إن نقاش الأداء الحكومي يبدأ من نتائجه انطلاقاً من مصلحة البلاد والعباد، وعلى أساس ضرورات المعركة المصيرية التي تواجهنا، وليس انطلاقاً من أي اعتبار آخر، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.