في الذكرى الأربعين لرحيل الشيخ الشيوعي.. هشام الباكير.. ستبقى في قلوبنا أبدا
ما كانت مناسبة (أربعين) غياب الرفيق هشام الباكير لتمر صامتة، فرغم الصعوبات والمعوقات الناشئة، اجتمع رفاق وأصدقاء وعائلة هشام في مكان يتسع لألف صديق، ولو متأخرين، وأحيوا المناسبة بالحميمية الخالصة التي أوحى بها الوجدان، وبالوفاء الذي يستحقه الراحل الكبير..
• افتتاح التأبين بدأ بكلمات شفيفة لعريف الحفل قال فيها:
خمسون يوماً يا هشام، لم تقلص زحمة الأشياء من فقدنا واشتياقنا إليك.. على السطح، الحياة مستمرة، وإرادتنا أقوى من غدر الموت المتسلل كل مرة على حين غرة. وفي العمق، الجرح يوغل أعمق فأعمق، ... بمن لحقت من رفاقنا وخيرة كادراتنا وأصدقائنا وأحبائنا.. يا عاشق الجمال بكل تجلياته؟.. وكم عدد المرشحين منا الآن، هنا وهناك للحاق بركبكم؟
لا يهم.. سنمضي، ونواصل، وننشر قناعاتنا، قناعاتك وقناعاتهم قولاً وفعلاً على تراب الوطن، لعله يورق مقاومة وأملاً وتغييراً نحو الأفضل..
• ثم ألقى الرفيق محمد علي طه كلمة أسرة تحرير صحيفة قاسيون جاء فيها:
أيها الحضور الكريم.. أيها الأعزاء
يوميا يلتئم شمل أسرتنا، وساعتها تنداح ملء الصدور مشاعر الرضا، وتخفق رعشة الأمن والسلام، لتأتلق فوق العيون والشفاه ومضات بسمات هنية...
هكذا حالنا.. خلية نحل وورشة بذل وعطاء، وخيوط رقيقة من عرق دافئ لجهود لا تعرف الفتور.. فهذه أسرة قاسيون نموذج حي للعمل المتكامل والسعي الدائب وراء الحدث والخبر دراسة وتحليلا، لدرجة أننا ننسى في زحمة العمل تبعات المتابعة الجادة والدقيقة ومفرزات الجهد المتواصل، فساعات أيامنا حيوية تتوّج بإصدار صحيفتنا كل سبت. صحيفة نتضافر جميعنا جاهدين لتكون زادا ومعرفة وخطا نضاليا واضح الوجه والمحتوى.. عنوانها كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار.. هذه الأسرة الصغيرة الكبيرة عمّدها حب الشعب والوطن، فانبرت بكل الإخلاص والصدق لتكون جديرة باسمها الشامخ، وكما لكل ميدان فرسان يتصدرون مداه، ويملؤون عيون متابعيه وأذهانهم.. هكذا واقع قاسيون فلها محرروها وفنيوها الذين تعتز بهم ويعتزون بها.. ومن على صفحاتها يتعرف القراء وجوههم ويستشعرون جهودهم، ويقبلون بارتياح ما سطروه لأنه انعكاس حقيقي لما يحسون وصدى نابض لما يرجون ويتطلعون.. تلك حال العمل وسير الأمور، وفجأة يداهمنا نبأ صاعق: رحل (أبو سعيد) هشام..
حين جاء الطير بالخبر.. لم أصدق/ غير أن الطير حطّ الريش في قلبي وما عاد يصفق/ نحن يا أختاه لا نبكي دوالينا الشهيدة/ لا ولا نزرع الأشواك في وجه العذارى/ علمتنا نكهة الموت في هول الفاجعة/ أن نغني لانتفاضات العزائم/ للحياة التي لا تموت..
رحل هشام وشريان شبابه ما زال دفاقا بالعطاء، فهو كما كان البعض يعرف وكما اليوم يعرف الكثيرون.. فيض نشاط وحيوية وجرأة، وتوق هادر في دروب التراث والنضال والسياسة، ورحيله كان مؤلما وقاسيا.. لكن ما يعوّض هذا الرحيل المبكّر، سمعة طيبة عطرة لا تتاح لأصحاب أعمار مديدة، وكتابات أكثر من واعدة، لم تستكمل سطورها المفعمة بالتزام واع جلي بقضية الطبقة العاملة والجماهير الشعبية، وقناعة راسخة بغد أفضل.. تنتفي فيه كل صور الظلم والقهر والفقر والمرارة.
لن أعدد خصال فقيدنا الشاب، فكلكم على دراية كافية حتى بتفاصيل حياته وباسم أسرة تحرير صحيفة قاسيون، وأنا متطوع في صفوفها منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما أقول: إن ما يختلج في قلوبنا من مشاعر الحزن والأسى هو بعض حق فقيدنا الغالي، فالوداع مرّ ومؤلم ..لكن عزاءنا أن يستمر العمل المثمر ،كما تستمر الحياة المعطاء.. لأن من فقدناهم من الرفاق الطيبين(عادل الملا أبو محمد وكمال مراد أبو بحر وسهيل قوطرش أبو المجد .. وهشام) باقون معنا..
• كلمة آل الفقيد ألقاها والد هشام الأستاذ سعيد الباكير قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة أعضاء رئاسة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين.
الأخوة رفاق وأصدقاء ولدي المرحوم هشام..
أحييكم بتحية أممية، تحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لا أريد أن أطيل عليكم لأعرفكم بمزايا فقيدكم هشام، فأنتم أعلم الناس بأخلاق ابن البادية التي ربته على الكرم وحب الضيافة والشجاعة الأدبية..
فقد كان رحمه الله محباً للناس، حسن المعاملة مع جميع فئاتهم، يؤمن بحرية الفكر واحترام الآخر متماشيا مع قوله تعالى «ادع إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة»
باسمي، وباسم أهلي وأبناء بلدتي القريتين، أقدم لكم أحر التعازي بفقيدنا جميعاً، المرحوم هشام، راجيا من الله العلي القدير أن لا يفجعكم بعزيز.
قمتم بالواجب، فكنتم خير الرفاق والأصدقاء والأحبة لشاب محب لرفاقه وأصدقائه ولبلدته ولوطنه.
لقد كان شعاره وهدفه في هذه الحياة القصيرة التي عاشها «حرية الوطن من كرامة المواطن، وحرية المواطن من كرامة الوطن». كان طموحه كبيرا جدا وعميقا جدا أكبر من سنه بكثير، شاب متفتح للحياة.. عقل ناضج يؤمن بالآخر مهما كان انتماؤه، فتعالوا معي باسمنا جميعا لنعاهد الشباب، شباب هذا الوطن وعلى رأسهم فخامة الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية، قائد الشباب، بأن نكون الجند الأوفياء لهذا الوطن الذي يتعرض بشكل يومي لهجمات وضغوطات الامبريالية الصهيونية.
رحم الله فقيدنا وأسكنه فسيح جنانه.. عاشت وحدتكم في اللجنة الوطنية.. ومزيدا من النضال لدحر هجمات الامبريالية العالمية المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية...
ولمزيد من النضال لبناء مجتمع تصان فيه كرامة الوطن والمواطن. مجتمع الوحدة والحرية والاشتراكية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
• وألقى الأستاذ أحمد فرحة كلمة أصدقاء هشام قال فيها:
كان هناك من يحذرنا دائماً من دخول مجالي الدين والسياسة، إلا أن جاء ذاك البدوي الجميل ليقتحم علينا كل التابوهات المحرمة التي تجعل منا جيلاً يستطيع أن يفتخر بنفسه ويؤسس لنفسه ولمن بعده، عبر ذاك الشاب الذي اقتحم علينا كل البروتوكلات، وكسر مجموعة القيود التي فرضها المجتمع..
إن حياة هشام ليست قصيرة، فكم سأحتاج كصديق لأنفذ ولو جزءاً مما نفذه هشام، لا أعرف عما أتحدث؟ عن هشام الشاعر أم هشام الأديب أم المزيج بين أبي ذر الغفاري وغيفارا. هكذا كان هشام بالنسبة لي، وللجميع.
إن هذه الوجوه الجميلة وهذا الحشد الرائع ما كان لي أن أعرف أحداً منهم لولا هشام. أأشارك أولاده اليتم، أم أشارك أصدقاءه الشعور بالوحدة والحزن، أم أشعر بالانكسار الذي لا يمنحني الشجاعة الكافية لألملم أشتاتي مع الأصدقاء الجميلين الذين التقيتهم مع هشام؟؟
• كما ألقت الصحفية سناء عصاصة كلمة قالت فيها:
من الصعب تلخيص هذا الشخص، لأنه كان مهماً ومايزال.. الفعل الماضي أحياناً يسبب لنا حالة إرباك شديدة. هشام فاجأنا ولن أسامحه بسهولة على هذا الرحيل المبكر، كانت شخصيته بالنسبة لي تمثل إشكالية فيها الكثير من التناقضات، هشام اختار أن يعيش الحياة بكل مراراتها، وبكمٍّ قليل من جماليتها حسب ظروفه، لكنه فهم الحياة.. كان لديه الكثير من العفوية في موازاة حسه العالي المدهش في التوازن بين متطلبات البيت والأصدقاء والانتماء الفكري بالإضافة إلى أشياء أخرى قد نختلف حولها. كان مليئاً بالحياة، سنشتاق إليه كثيراً. الأشخاص الذين نحبهم يجب أن يبقوا معنا. هشام كان لديه نوع نادر من النبل الخاص لذلك سيظل معنا، وسيعيش في قلوبنا.
• كلمة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين ألقاها الرفيق حمزة منذر، جاء فيها:
«حلو اسمك.. حلو رسمك.. عمت عين الحديد اللي ما تعطل من وصل جسمك!
لم أكن أتصور بعد عادل الملا وكمال وسهيل أن أقف لأؤبن ذاك الشاب المجبول بالشجاعة والكرامة والشهامة وبالوطنية الصادقة، هشام الباكير. ثقافته تلقنها من مدرستين: المدرسة الأولى من أسرته في بلدة القريتين، والمدرسة الثانية (مدرسة الشيوعية)، فعندما كان يتحدث عن العادات والتقاليد والتراث كان يغرف من خزان الماضي لا ليتذكر، بل ليثبت ثقافة المقاومة والعدالة، كان يغرف من الماضي ليعالج الحاضر والمستقبل، لأنهما كانا بالنسبة له هاجساً كبيراً، فكان شجاعاً في طرح القضايا، وقد انطبق عليه المثل الشعبي القائل: «كم راجل يعد بألف رجل وكم راجل يمر بلا عد». كان من أولئك الذين يفرضون احترامهم على الآخرين، لا بقوة البطش، ولا بقوة المال وبزهو الشخصية، لكن بدخول القلب دون استئذان.
إن الجميع يتذكر أن هشام لم تخلُ منه مظاهرة، ولم تواجهنا صعوبة إلا وكان في عداد الأوائل الذين يواجهونها دون خوف أو وجل أو تهور.
مازلت أذكر تلك الشجاعة عندما أمسك العلم الأمريكي (الصهيوني) ووضعه تحت أقدام الزبائن المدعوين من السفارة الأمريكية للقيام بأنشطة في دمشق، كان هشام قائداً كبيراًَ لكنه كان متواضعاً. كأنني أتخيله يقول «أقدموا على ما كنا جميعاً سائرين نحوه.. أقدموا من أجل المبادئ.. وأقول له: سنبقى أقوياء لشعار العودة إلى الشارع، وقبلها العودة إلى الجماهير، سنبقى أوفياء في معيارنا الوطني الأساس: موقف معاد واضح لا لبس فيه ضد الامبريالية والصهيونية. سنبقى أوفياء لما قلناه ومارسناه عملياً بالعداء المباشر والملموس ضد قوى النهب والفساد أولئك بوابات العبور للعدو الخارجي ناهبي قوت الشعب والبلاد وثروة العباد! سنبقى أوفياء لشعارنا الكبير «كرامة الوطن والمواطن فوق أي اعتبار».
• كما ألقى الرفيق الشاعر فاضل حسون (أبو سلام) قصيدة مؤثرة قال فيها:
تهون يا وطنّا تهون..
عين وصابت «قاسيون»
والريح ما تهز جبال
أبطال تورد أبطال
وتشهد ليلة ميسلون
أحلف بدم اللي ماتوا
عادل وهشام ورفقاتو
كرمى لعيون الحرية
موقف عمرنا وقضية
نكون أو لا ما نكون
تهون يا وطنا تهون..
• كما ألقى الرفيق قدري جميل كلمة مقتضبة أكد فيها أن وجود الراحل في صفوف الشيوعيين بما يحمله من أفكار كانت قد فرضته الضرورة، ضرورة تلاقي كل الأفكار المتحررة والمتنورة لمواجهة المشاريع الإمبريالية الساعية لزرع الفرقة والتفتيت، وشدد على أهمية العمل من إيجاد صيغ لعودة اللحمة إلى جميع التيارات المعادية للإمبريالية والصهيونية.
كما أكد أن الراحل كان جزءاً أساسياً من مشروع متكامل في الرؤية والخطاب والانفتاح على الآخر وأصبح هذا الجزء بغيابه بحاجة إلى ترميم.
وفي الختام سأل الرفيق قدري: ما العمل؟
وأجاب أن العمل هو بالعمل من أجل الاستمرار في ما تم الشروع به وإكمال المسيرة، والسعي الدؤوب من أجل خلق مناخ حقيقي، فكري وسياسي واجتماعي، استعاداداً للمواجهة القادمة.