اسمي آرام فيلم وثائقي عن العذاب الأرمني
بمناسبة مرور اثنتين وتسعين سنة على ذكرى شهداء الأرمن، عرضت الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية بالقامشلي، فيلماً وثائقياً من إخراج اللبنانية كارمن لبكي، يتحدث عن حياة طفل أرمني اسمه آرام.
تبدأ المشاهد بصورة الموت الذي خيم على الفيلم بجميع أشكاله (من خوف وانتظار وجوع وقهر وحرمان......)، يقف الطفل آرام أمام جثة والدته المنحورة، دون أن يعرف السبب، وهو يناجيها معاتباً (هل تتذكره؟ لماذا سمحت للظالمين أن يقتلوها وأن يحرموه من حنانها إلى الأبد)..!
تبدأ بعدها قصة آلامه التي لازمته منذ لحظة ولادته وحتى الوقت الحاضر، وهو الذي بلغ الآن اثنين وتسعين عاماً، يقول آرام: إنه عندما هاجم الأتراك أضنة قتلوا (30) ألف شخص أرمني خلال أربعٍ وعشرين ساعة فقط، وأيضا هاجموهم في أماكن أخرى، فقتلوا منهم مليون ونصف أرمني، مستخدمين الحرق والإغراق والذبح، حيث كان عمر آرام سنتين فقط.
بعدها يأخذه شخص مسلم اسمه عبد الكريم، ويسميه (محمد) الذي أصبح يناديه والدي، ولكن زوجته كانت لا تكره محمد، وتريد له الموت حتى لا يرث شيئاً، وتعذبه. يعاني محمد من كل أشكال الحرمان، ولكن العناية الإلهية لا تتركه للموت، ويأتي مدير المدرسة الأمريكية باحثا عن الأطفال الأرمن، وحين يخبره الناس عن محمد، فيأخذه المدير، ولكن والده عبد ا لكريم يرفض ذلك ويريد أخذه، وترفع القضية إلى المحكمة، فيكسبها والده عبد الكريم، ولكن مدير المدرسة الأمريكية يدفع 30 ألف (مجيدية) مقابل الصبي آرام أنه اشتراه كما يُشترى الخروف.
وبدأ مدير المدرسة وزوجته يهتمان به وغيرا ملابسه، ثم يغادر مدير المدرسة وزوجته إلى أمريكا، بعد أن جمعا 150 طفلاً وأرسلاهم إلى دار الأيتام في طرابلس لبنان بواسطة القطار، وهناك يسمع الأطفال إشاعة أن هناك عملاً ومالاً في بيروت، هنا يبدأ الأطفال بالهروب من المأتم جماعات، ويلحق بهم آرام، ولكنهم يذهبون ويغدرون به ويتركونه وحيداً.. يلازمه البكاء الذي لا يتركه طوال عمره، لقد سلك آرام طريق القطار لأنه جاء بهم من بيروت إلى صيدا، وهو سوف يعيدهم إليه.
ولكن آرام يتأخر عن القطار كما فاته قطار العمر أيضا، عندما سرق منه الظالمون طفولته ووالدته وأصدقاءه..
ينام آرام في محطة القطار حيث الظلام والخوف، بعد أن تركه رفاقه جائعاً، بعد فترة يعمل عند رجل قاسي القلب ويعذبه بقسوة ويضربه، فيهرب منه ويريد العودة إلى المدرسة، واثق الخطى متحدياً الموت، وبعد أن يبلغ الثانية عشرة من عمره يعمل في رعي الأغنام، ثم في فلاحة الأرض والزراعة مقابل أجر جيد عند رجل آخر، الذي يسميه يوسف (تيمناً باسم يوسف الجميل، لأنه هو أيضا ضيع أهله)..
تغير اسم آرام ثلاث مرات من محمد إلى آرام إلى يوسف، لقد ضيع آرام اسمه وأهله وطفولته القاسية، وشاهد الموت والجوع والبرد والعرق، حيث كان يلبس قميصاً في برود الشتاء.
ثم يعثر عليه زوج أخته في لبنان عن طريق الصدفة أخيراً.. تعرفوا عليه من خلال مشيته التي تشبه مشية والده ومن خلال الشامة الموجودة على صدره، وجسمه.
ثم يذهب إلى بيت أخته، ويعمل في الميكانيك معتمداً على نفسه فقط، بعد أن يودع أهله في كرم شمعون، ويعمل آرام عند الفرنسيين والإنكليز.. «الجميع يسألون عن الميكانيكي آرام جورغيان».. تتحسن أحواله المادية فيقرر الزواج من فتاة أرمنية حتى ولو كانت فقيرة، وأثناء استضافته في برنامج تلفزيوني، يشاهده أهله في مدينة الحسكة السورية، وكانت قصته تشبه قصة شخص يشبه تماماً، وهو أخ لآرام جاء من تركيا وسكن الحسكة.
آرام كان يظن أن جميع أهله قد ماتوا، وبعد إجراء الفحص الطبي dna لبعض شعرات رأسه، تأتي النتيجة أنه أخوه، ثم يزور الحسكة ليشاهد أولاد أخيه الذي توفي قبل عامين، في مشاهد مؤثرة ومؤلمة، فيزور قبر أخيه، ويناجيه أيضا كما ناجى أمه من قبل. أخوه أطلق عليه اسم (زكي جرجس)، فيقول له آرام: أنا أيضا تغير اسمي إلى محمد ويوسف، ماذا فعل القدر بنا يا أخي؟
ويسقي أخاه بعض قطرات من الماء في قبره، فهو لا يستطيع أن يخدمه أكثر من هذا..
آرام مازال يبكي كلما تذكر أهله، وسوف يظل يبكيهم مادام حياً، آرام الإنسان الذي قهر الموت مرات عدة، ما زال يتحدى الموت والحياة، رغم مرور اثنتين وتسعين سنة من عمره التي لا يحسد عليها، والذي يماثل تاريخ المجزرة، فهو مازال يغني العتبى، لأنه وقومه مثل القمح والشمس انتشروا في أرجاء المعمورة.
آرام يجسد معاناة شعب كامل، مازال متفائلا بالحياة متحديا جلاده، ويغني لكل شيء جميل، كما يغني ابن جلدته آرام ديكران، الفنان الأرمني الشهير لجميع الشعوب ضد الظلم والقهر والاستبداد..