الافتتاحية خياران لا ثالث لهما

إصرار الحكومة وفريقها الاقتصادي على إعادة النظر بالدعم، يضع على بساط البحث الجدي إعادة النظر بالحكومة نفسها، وهذا الموقف ليس رد فعل على سلوكها بقدر ما أصبح له مبررات وأسباب جدية.

إصرار الحكومة وفريقها الاقتصادي على إعادة النظر بالدعم، يضع على بساط البحث الجدي إعادة النظر بالحكومة نفسها، وهذا الموقف ليس رد فعل على سلوكها بقدر ما أصبح له مبررات وأسباب جدية.
1 – من حيث التوقيت، لا يمكن القول إلا إنه لم يكن موفقاً بتاتاً، وإذا كان البعض يريد صياغة موقف اقتصادي - تكنيكي بحت من موضوع الدعم لتبرير إعادة النظر به، إلا أن اللحظة السياسية تؤكد أن أصحاب هذا الموقف لايتحلون بروح المسؤولية السياسية الضرورية، وخاصة في هذه الظروف المعقدة في المنطقة والتي تشتد فيها الضغوطات على سورية من كل حدب وصوب لإجبارها على التراجع عن مواقفها الممانعة للمخطط الأمريكي – الصهيوني.
بل أن الأمر يزداد خطورة أمام الإصرار المتواصل على رفع الدعم في لحظة أصبح واضحاً فيها أن العدو الأمريكي – الصهيوني يعتبر الجبهة الاقتصادية – الاجتماعية أحد استهدافاته الرئيسية، وبشكل لم يعد خافياً على أحد.
2- يصر الفريق الاقتصادي على أرقام بمئات المليارات يؤكد فيها أن الدولة تخسرها على الدعم في وقت تنضب فيه مواردها، ونعتقد جازمين أن فاتورة المشتقات النفطية التي تدعي الحكومة أن الموازنة تتحمل أعباءها هي فاتورة مبالغ بها جداً، وهدف هذه المبالغة خلق حالة رعب في بعض الأوساط لدفعها مضطرة للموافقة على موقف الفريق الاقتصادي، وهنا تستخدم أساليب غير علمية بل غير نزيهة لتضخيم الفاتورة، فإذا كانت البلاد تستورد 40% من المازوت بالأسعار العالمية، إلا أنها تنتج بالمقابل الباقي الذي تقل تكلفة إنتاجه بكثير عن الأسعار العالمية التي حين يحتسب بها، يجري تضخيم الفاتورة بشكل مصطنع.
إن هذا الأمر بحاجة إلى بحث جاد ومتزن يقوم به اختصاصيون مستقلون للوصول إلى الحقيقة الموضوعية التي يجري الالتفاف عليها.
3ـ بما أن مصطلح إلغاء الدعم أصبح مصطلحاً غير شعبي، فقد اخترع الفريق الاقتصادي اسماً حركياً له هو «إعادة توجيه الدعم لمستحقيه»، وقد أثبت السيناريو المطروح للتعويضات على رفع أسعار المحروقات أن أصحاب الدخل المحدود لن يحصلوا إلا على «إذن الجمل»، فمستوى ارتفاع الأسعار الذي سيعقب رفع أسعار المحروقات سيتجاوز بكثير التعويضات المقترحة، هذا بشرط قدرة الحكومة على ضبط الأسعار، وإذا علمنا أن الأسعار فلتانة أصلاً قبل رفع الدعم، وقد أثبتت التجربة عدم قدرة الحكومة على ضبطها، لاستنتجنا أن ماسيجري في الأسواق هو «تسونامي» ارتفاع أسعار لم تشهد البلاد له مثيلاً في العقود الماضية، مما سيؤثر بشكل حاد ومأساوي على القدرة الشرائية للأكثرية الساحقة من الناس، مع ما يترتب على ذلك من زيادة في التوتر الاجتماعي في وقت البلاد فيه أحوج ما تكون إلى توطيد وحدتها الوطنية...
4ـ النغمة المستمرة التي يعود إليها الفريق الاقتصادي دائماً هي ضرورة تأمين موارد جديدة للموازنة وإلا...
وإذا اضطررنا إلى الموافقة على ضرورة تأمين موارد جديدة، إلا أن السؤال الذي ينتصب بشدة هو: لماذا البحث فقط في جيوب الفقراء عن هذه الموارد؟ أليس هناك مطارح أخرى لزيادة موارد الدولة؟؟ أليس التهرب الضريبي مورداً هاماً؟ أليست أموال الفساد مورداً أساسياً؟؟ أليست موارد الخليوي التي لاتحصل الدولة إلا على جزء يسير منها مورداً كبيراً؟؟ أم أن مصالح أصحاب هذه الموارد المحجوبة عن الدولة والمجتمع، وهم قلائل بالمقارنة مع الجماهير الشعبية التي سيصيبها ضرر رفع الدعم، هي أهم من مصلحة الأكثرية الساحقة من المجتمع.
إن الحالة الراهنة، وتطور الوضع الحالي تضع القوى الوطنية الشريفة داخل النظام وخارجه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما رفع الدعم مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية، وإما إعادة النظر بهذه الحكومة، وخاصة فريقها الاقتصادي الذي فقد كل مصداقيته أمام الشارع، وخسر ثقة الجمهور الواسع، والمجيء بحكومة قادرة على تأمين متطلبات المواجهة، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.