الافتتاحية حوار البوارج.. والتواطؤ الرسمي العربي

مجدداً، وجرياً على عادتها، تستعرض واشنطن قوتها العسكرية أمام شعوب المنطقة، مرسلةً هذه المرة المدمرة «كول» وأخواتها من سلاح البحرية الأمريكية إلى قبالة الشواطئ اللبنانية المليئة أصلاً بقوات بحرية أطلسية تحت اسم «اليونيفيل».

وإذا كان فريق 14 شباط ومن خلفه دول «الاعتلال» العربي يرفضون الحوار مع حزب الله لأنه يملك سلاحاً لم يجرّبه أو يستخدمه يوماً إلا في مواجهة العدو الصهيوني الذي اعترف بهزيمته في حرب تموز؛ فإن هذا الفريق ومَن خلفه يدعوننا للحوار والمفاوضات مع التحالف الإمبريالي الأمريكي- الصهيوني، وكأنهم يريدون إقناعنا بأن السلاح الأمريكي الأقوى تكنولوجياً في العالم «يريد الحوار» مع شعوب المنطقة في قضاياها!.

وبالتجاوز لتصريحات جعجع وجنبلاط والسنيورة المخجلة حول شكل وأهداف قدوم المدمرة «كول» إلى قبالة الشواطئ اللبنانية، فإن «الحوار» مع البوارج الأمريكية والعسكرتارية الصهيونية ظهرت نتائجه المباشرة بسحق مئات الآلاف من الضحايا في بلاد الرافدين، وفي غزة هناك مائة وثلاثة وثلاثون شهيداً في أسبوع، قطّعت أوصالهم الصواريخ وقذائف الدبابات، وفي لبنان تهدف دعوات الحوار مع التحالف الأمريكي- الصهيوني إلى نسيان الألف ومائتي شهيد لبناني في عدوان تموز 2006، والتهيؤ إلى «حروب لبنانية صافية»، علّها تفلح في حرف المقاومة عن أهدافها وتشويه انتصاراتها السابقة ومنعها من انتصارها النهائي، وبالتالي ضرب التأييد المتنامي لها في الشارع العربي الرازح تحت حكم العروش الذليلة، والتي انتظمت علانية بعد «أنابوليس» في حلف عسكري- سياسي- اقتصادي مع الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية.

بالتوازي مع وصول رايس للمنطقة، أعلن الرئيس بوش عن إحباطه الشديد من سورية والرئيس الأسد أمام ضيفه الملك عبد الله الثاني بسبب الوضع في لبنان، كما أعلنت قيادة سلاح البحرية الأمريكية أن «وجود القطع البحرية الأمريكية قبالة السواحل اللبنانية يستهدف إرسال إشارة إلى سورية ودول أخرى في الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة ملتزمة باستقرار المنطقة خلال هذه الفترة الحرجة...»، وقد ترافق ذلك مع تصريحات المبعوث الأوربي خافير سولانا التي دافع فيها عن إرسال المدمرة «كول» إلى المنطقة ودعوته إلى «وجوب انتخاب رئيس لبناني قبل عقد قمة دمشق»!

وهنا نذكِّر بأنه إذا كان اغتيال الشهيد عماد مغنية هو الخطوة الإسرائيلية- الأمريكية الاستباقية عشية الانفجار الإقليمي المرتقب، فإن إرسال القطع البحرية الأمريكية إلى قبالة السواحل اللبنانية هو الخطوة الثانية بالاتجاه والهدف ذاتهما. وهذا يعني أن «ثمة خطوات سياسية وعسكرية وأمنية تريد واشنطن حمايتها بهيبة الحضور العسكري القوي..»، وهذا يفرض علينا في سورية وقوى المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وكل حركات التحرر الوطني في المنطقة، قراءة الحشد العسكري البحري الأمريكي المتجدد على أنه تمهيد لعمل إرهابي كبير يتجاوز «مجزرة غزة»، يُراد منه تسريع عجلة الفوضى الشاملة سواء عبر إعلان حرب بالواسطة أو إشعال حروب عربية- عربية، أو حروب أهلية جديدة.

فالمشروع الأمريكي أصبح واضحاً خصوصاً بعد احتلال العراق، ولم يعد يحتاج للتبصير فهو يغذّ السير باتجاه ضرب الكيانات الحالية، ويسرّع ديناميات التفكيك في المجتمعات العربية عبر تسعير الصراعات المذهبية والطائفية والعرقية، وتحديداً بعد أن سيطر الوجود العسكري الأمريكي فعلياً على معظم جغرافية الوطن العربي.

ففي تصريحات بوش، رايس، سولانا محاصرة واضحة ومسبقة لمؤتمر القمة العربية قبل أن يُعقد، بغض النظر عن شكلانية «مؤتمرات القمة» وما جلبته من تنازلات متتالية على طريق إغلاق ملف القضية الفلسطينية، والقضايا الجوهرية في الصراع العربي- الصهيوني.

وإذا كان التحالف الإمبريالي- الصهيوني- الرجعي العربي، يربط حل القضية الفلسطينية بسحق المقاومة وتغيير محيطها (سورية ولبنان)، ويرهن الحل السياسي في لبنان بتغيير التوازنات في المنطقة لصالح قوى «الاعتلال العربي»، ويرفض الانسحاب من العراق إلا بعد تقسيمه فعلياً وتدمير بنيته الديمغرافية، فإنه لا سبيل لمواجهة كل ذلك إلا بالتزام خيار المقاومة الشاملة حتى تحرير الجولان وفلسطين والعراق.

إن خيار المقاومة الشاملة ليس شعاراً عاطفياً، بل ثقافة شاملة تتجلى في:

ـ موقف واضح لا لبس فيه ضد الإمبريالية والصهيونية والسائرين في كنفهما، سواء داخل «أنظمة الاعتلال العربي» أو خارجها.

ـ تأمين كرامة المواطن في «كلمته ولقمته» وتعبئة قوى المجتمع النظيفة على الأرض دفاعاً عن سورية ضد التهديدات الأمريكية- الصهيونية، وضد أعداء الداخل المتمثلين بقوى النهب والفساد داخل جهاز الدولة وخارجه، أنصار الليبرالية الجديدة وتطبيق وصفات البنك الدولي وبيع قطاع الدولة والخصخصة المتدرجة.

ـ إعادة الاعتبار لمفهوم التحالفات الكفاحية على مستوى الشارع العربي، ليس على أساس التسميات، بل على أسس الالتزام بالمعايير الوطنية، الاجتماعية- الاقتصادية والديمقراطية في إطار خيار المقاومة الشاملة الكفيلة بهزيمة المشروع الأمريكي- الصهيوني في المنطقة، وفي ذلك ضمان لكرامة الوطن والمواطن.

آخر تعديل على الثلاثاء, 22 تشرين2/نوفمبر 2016 10:26