الافتتاحية المعركة بين التهوين والتهويل..

4تزداد أزمة الاقتصاد الأمريكي عمقاً واتساعاً، فالدولار يتراجع بشكل مستمر أمام العملات الأخرى وخاصة اليورو، كما أن أسعار النفط قد تجاوزت الثمانين دولاراً للبرميل، أما أسعار الذهب، التي تعتبر أحد مؤشرات الهروب من الدولار، فقد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود، ويذكر المتابعون أن أجواء كهذه سادت قبل 11 أيلول 2001، وقبل غزو العراق في نيسان 2003. وفي كل الأحوال إذا كانت الضربات العسكرية هي مخرج لأزمة الرأسمالية الأمريكية فقد أثبتت التجربة أن هذا المخرج مؤقت، فهو إن حسَّن الوضع، ومنعه من الانهيار في حينه، إلا أنه لم ينعشه إلى تلك الدرجة التي تجعله يبتعد عن الخيارات العسكرية كحل لمشاكله لاحقاً.
واليوم يتكرر المشهد، والسؤال هو ليس: هل ستلجأ الولايات المتحدة الأمريكية للتصعيد العسكري، وإشعال نيران حرب جديدة؟؟ وإنما من أين ستبدأ هذه الحرب ومتى؟؟ وأصبح يتفق على ذلك الكثير من المختصين، والمتابعين، والمهتمين.

إن المطلع على تاريخ الحروب الامبريالية يعلم جيداً علاقة الحرب بالاقتصاد مما يسمح له بالتوقع المسبق لسلوكها اللاحق، أما المتابع العادي للأحداث فقد أصمت طبول الحرب أذنيه في الأسابيع الأخيرة، وأصبح متوجساً من هذا الخطر القادم.

لقد قلنا سابقاً إن الامبريالية العالمية وخاصة الأمريكية والصهيونية العالمية محكومة بالحرب.. . كما هي محكومة بتوسيع رقعتها. وهنا يبرز في التعاطي مع هذا الموضوع موقفان يلحقان الضرر في مواجهة المخططات الأمريكية-الصهيونية:

الموقف الأول: هو الموقف المهوِّن للخطر لدرجة استبعاد احتمال المواجهة العسكرية، أو تقليل إمكانيتها إلى الحدود القصوى. وتكمن جذور هذا الموقف في عدم الرؤية الصحيحة للطبيعة الطبقية-العدوانية للإمبريالية الأمريكية وحليفاتها، وعدم تلمس أزمتها الحقيقية التي تدفع إلى الخارج إبعاداً لاستحقاقات الأزمة في الداخل والتي أصبحت تهدد أسس نظامها السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي... ويساعد على ظهور هذا الموقف المصاعب العسكرية التي تعاني منها قوات الاحتلال أينما كان في منطقتنا، مع أن تجربة التاريخ تؤكد أن انكفاء قوات الاحتلال لم يتم إلا بعد استنفاذ إمكانيات التوسع الأكبر، وتجربة حرب فيتنام الجنوبية وما تبعها من لهيب الحرب في الهند الصينية يؤكد ذلك. والواضح اليوم أن إمكانيات التوسع العسكري الأكبر في المنطقة لم تنته بعد بالنسبة للإمبريالية الأمريكية وحلفائها المختلفين. وهذا ما يضع ضرب سورية وإيران على جدول أعمالهم اليوم، بشكل جدي.

الموقف الثاني: هو الموقف المهوّل للخطر ونتائجه لدرجة الاستعداد لتقديم كل التنازلات الممكنة، والتي تفضي بجوهرها إلى أن تحقق الإمبريالية الأمريكية والصهيونية سلماً، مالم تستطع تحقيقه حرباً، خلال العشرات من السنين، ويبرر أصحاب هذا الموقف موقفهم بأن نتائج أي صدام عسكري نتيجة اختلال ميزان القوى العالمي محسوم سلفاً لصالح العدو... وهم يتناسون:

1 – أن الإمبريالية الأمريكية في أشد لحظاتها عسراً من الناحية الاقتصادية،

2 – أنها وصلت إلى حدودها القصوى في الانتشار العسكري، وأية معركة جديدة تحمل أخطاراً جدية عليها، هي نفسها، أكثر من المعتدى عليه،

3 – أن ميزان القوى العالمي نفسه يتغير لصالح قوى الشعوب، وسيتغير بسرعة أكبر في حال صمود قوى المواجهة والممانعة في أية بقعة من الأرض.

فكيف الحال بمنطقتنا التي تتكثف فيها اليوم كل المعركة العالمية ضد قوى الاستعمار والاستغلال؟..

لذلك فإذا كانت الغزوات الأمريكية السابقة في أفغانستان والعراق قد حققت للوهلة الأولى نجاحات نسبية، إلا أنه «ليس في كل مرة تسلم الجرة»، والأمر اليوم مرهون بنهاية المطاف بالإرادة السياسية للمقاومين، وقدرتهم على تنظيم الممانعة السياسية المجتمعية، ومن ثم المقاومة بمختلف أشكالها.

إن المعركة القادمة ستحسم على أرضية الإرادة ودرجة تنظيم جهاز الدولة، ومستوى تعبئة المجتمع... أي إرادة المواجهة والانتصار رغم كل التضحيات التي تتطلبها معركة كهذه، ودرجة تنظيم جهاز الدولة وتمركزه على مهامه الأساسية في حماية الوطن والشعب، مما يتطلب المعالجة السريعة لأهم المشاكل الاقتصادية-الاجتماعية التي تمس أوسع الجماهير الشعبية، الأمر الذي سيجعلها أكبر وأفضل حاضنة للانتصار في المعركة، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.