الافتتاحية لماذا.. وبماذا يهددون؟؟!
تواترت في الفترة الأخيرة بعض التصريحات لبعض المسؤولين الاقتصاديين، وأهمها للنائب الاقتصادي في محافل رسمية وإعلامية.. أنه في حال استمرار الدعم، وعدم رفعه حسب الخطة السابقة للحكومة، فالوضع سيصبح كارثياً بعد حين، إذ سينخفض احتياطي العملات الصعبة، وسنضطر للاقتراض بمليارات الدولارات، ويمكن أن تنخفض قيمة الليرة السورية تجاه الدولار إلى 200 ل.س، ناهيك عن ضرورة تخفيض الموازنة وما تتحمله من أعباء، وخاصة الاجتماعية في مجالَيْ الصحة والتعليم وغيرهما..
وقبل أن نناقش صحة، ودقة هذه التوقعات الكابوسية، نريد أن نطرح سؤالاً مقابلاً:
كيف كان الوضع لو سُحب الدعم تحت ستار إعادة توجيهه بالطريقة التي اُقْتُرِحت؟! فلنتخيل السيناريو المفترض في هذه الحالة..
لقد ارتفعت الأسعار في السوق بمجرد الإعلان عن نوايا الحكومة بحدود الـ 50% من مستوى أسعار ماقبل الإعلان عن خطة رفع الدعم.
ولو طبق فعلاً، ماذا كان سيحصل؟؟
استناداً لما حصل من ارتفاع فعلي لكان من المتوقع أن ترتفع الأسعار ليس 5% كما كانوا يتوقعون، وإنما بحدود 75 – 100%، أي أن مستوى معيشة ذوي الدخل المحدود الذين يشكلون الأكثرية الساحقة، كان سينخفض بشكل كارثي مع ما يحمله من أخطار اشتداد حدة التوترات الاجتماعية، مما كان سيدفع الحكومة مكرهة لرفع سريع وكبير للأجور من مصادر تضخمية غير حقيقية، الأمر الذي لو حدث، لكان سيضغط على الليرة السورية بشكل كبير، وحينها فعلاً كانت الحكومة ستجد نفسها أمام خيارين:
إما تخفيض قيمة الليرة السورية، أو الحفاظ عليها مقابل التخلي عن جزء من احتياطيات العملة الصعبة للدفاع عن الليرة في السوق... أي أن ملامح السيناريو الكارثي كان سيتحقق لو رُفع الدعم، وليس عكسه.
والآن ماذا يحصل، بعد أن فشل هذا الفريق في مسعاه الأولي؟
إنه يقوم عملياً بتخفيض بنود موازنة 2008، وخاصة الاستثمارية، بحجة شح الموارد، والمعلومات الأولية تفيد أن هذه التخفيضات جدية وكبيرة، وهذا إن دلَّ على شيء، فهو يدل على حقيقة دامغة وهي أن نسب النمو المعلنة هي أرقام خلبية غير حقيقية، وإن كانت حقيقية فيجب أن تتجلى بموارد واضحة، مما يوجب أن ترفع أرقام الموازنة لا أن تخفضها، فأين هي الحقيقة؟!!
بانتظار معرفتها من خلال البحث العلمي الدقيق، يمكن أن نؤكد منذ الآن أمرين:
الأول: إن كان النمو خلبياً «مجرد فقاعة»، فهذا يؤكد الفشل الذريع للسياسات الحكومية الاقتصادية التي أشرف عليها وأدارها الفريق الاقتصادي، مما يتطلب مراجعة سريعة لها وله.
الثاني: إن كان النمو المعلن حقيقياً، فهذا يعني أنه يجري بشكل مقصود تخريب الاقتصاد الوطني من خلال حجب الموارد المتوفرة عن خزينة الدولة أو على الأقل من خلال منع تدويرها في الاقتصاد الوطني.
والسؤال الأهم هو:
لماذا يجري كل ذلك والآن تحديداً؟! إن تهديد الاقتصاد السوري ومن ورائه الشعب السوري بالويل والثبور وعظائم الأمور، لأنه لم يمتثل لإرادة الفريق الاقتصادي، وفي هذه اللحظة التي تشتد فيها الضغوطات والأخطار الخارجية على بلدنا، لا يمكن فهمه إلا على أساس أن الجبهة الخارجية متصلة اتصالاً وثيقاً بالجبهة الداخلية التي يعد الاقتصاد والمجتمع من مكوناتها الرئيسية، وهي بنهاية المطاف جبهة واحدة، ليس فقط من وجهة نظرنا، وإنما أيضا من وجهة نظر أعداء سورية التي بممانعتها ومقاومتها للمخططات الأميركية ـ الصهيونية تضرب مثلاً يحتذى للشعوب العربية التي تنظر بقرف إلى حكامها المنبطحين، والمهزومين أمام إرادة الغرب الامبريالي.
لذلك مثلما نأخذ على محمل الجد التهديدات الخارجية، يجب أن نأخذ على محمل الجد التهديدات التي تطال الوضع الداخلي، ولكن إذا كان منع التهديدات الخارجية لايكفي فيه إرادتنا، إلا أن منع التهديدات الداخلية مرتبط بإرادتنا.. بإرادتنا فقط..
ومادام الهدف المنشود بالتهديدات الداخلية قد أعلن، فهذا يسهّل، ويقصر طريق مواجهتها، والأمر سيكون أصعب لوكان غير ذلك.
لقد أصبحت الليرة السورية وثباتها في هذه الظروف خطَّ مواجهة حقيقي وأساسي، لأنه دون ذلك سيمكن تحقيق كل مفردات مشروع الضغط الداخلي الذي سيطال مستوى معيشة الناس المتدهورة أصلاً، والاحتياطيات السورية من العملات الصعبة، ودور الدولة عبر موازنتها في تنشيط الاقتصاد الوطني وحماية المستهلك، وكل ذوي الدخل المحدود..
لقد قدر علينا أن نخوض المعركة الوطنية الكبرى على كل الجبهات في آن واحد، ولدى الشعب السوري وقواه الحية والنظيفة مايكفي من القوى وحسن التدبير لتأمين الانتصار، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.