الرفيق خالد حدادة لـ«قاسيون»: الصيغة التحاصصية في لبنان وصلت إلى المرحلة الأخيرة من موتها البطيء

أجرت قاسيون اتصالاً هاتفياً مع الرفيق د. خالد حدادة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني،وأجرت معه حواراً سريعاً حول المستجدات على الساحة اللبنانية والإقليمية..

• د. خالد أهلاً بك في «قاسيون».. ما قراءتكم لأحداث الأحد الدامي؟!

ما حدث يوم الأحد هو مجزرة فعلية بحق مجموعة من الشباب والمواطنين اللبنانيين، وهذه ليست المرة الأولى.. عدة مرات قام الشباب اللبناني بالتظاهر بهذه الطريقة، أي على طريقة تعاطي المؤسسة الكهرباء مع المواطن اللبناني. نحن كحزب لسنا من مؤيدي هذا النوع من التحركات إنما بقراءة موضوعية الذي يتحمل مسؤولية لجوء الناس إلى هذه الظاهرة وتكرارها، هو هذا النهج الذي اتبعته الحكومة الحالية والحكومات السابقة ومختلف القوى السياسية في لبنان، والذي أدى إلى تدمير وحدة الحركة النقابية اللبنانية. وأدى تحاصصها بين القوى السياسية إلى شل قدرة الاتحاد العام على قيادة تحركات مطلبية وشعبية، وإخضاعها كلياً للتجاذبات السياسية أعطى مجالاً لملء هذا الفراغ الاجتماعي عبر تحركات عفوية. في هذا الإطار نعتقد رغم موقفنا من هذا الشكل من التحركات أنها جاءت نتيجة الفراغ، والمسؤول عنها الطبقة السياسية والتحالف السياسي الطائفي الذي حكم لبنان منذ عشرات السنين وحتى الآن.

أما ما الأسباب المباشرة لما جرى، فنحن برأينا أن ما حدث يوم الأحد يحمل عدة اتجاهات:

الأول: محاولة خلق شرخ جدي بين الجيش والمقاومة، إلا أن التنسيق الذي ساد خلال فترة طويلة بين الجيش اللبناني والمقاومة اللبنانية أعطى أرضية جدية لتصدي المقاومة الشعبية اللبنانية والجيش للعدو الصهيوني خلال حرب تموز، وبالتالي الحقد الأمريكي الإسرائيلي على المقاومة تجاوزها ليطال وحدة وتنسيق المقاومة مع الجيش. هذا هو الاستهداف الأول برأينا خصوصاً بالنظر للمنطقة التي وقع فيها الحدث.

الاستهداف الثاني: ونخشى أن يكون قد بدأ يوضع على النار، وهو السعي لاستمرار الفراغ في الحياة السياسية في لبنان، وعدم انتخاب الرئيس، والإبقاء على الوضع القائم حالياً على ما هو عليه، وهذا يعني أيضاً خطورة جدية على وحدة المؤسسة العسكرية التي كانت حتى الآن تشكل لوحدها بين المؤسسات الأمنية في لبنان عامل توحيد وضمانة التوحيد.

 الجانب الثالث: هو محاولة إذكاء أجواء ال 75 والحروب الأهلية ذات الطابع الطائفي لما فيها من رمزية لها علاقة بأجواء الحرب الأهلية حينها. وهنا ربما دور مشبوه لما يحكى عن بعض المسلحين من خارج الجيش. بكل الحالات هذا يستدعي القول إنه لا يعالج هذه المشكلة إلا تحقيق جدي وسريع يكشف من تسبب بهذه الوضعية بشكل مباشر وعلني لتفادي الأهداف والأخطار عن مجزرة يوم الأحد.

• إلى أي مدى وصل الوضع المعيشي الاقتصادي على الصراع الدائر، وهل هناك استعداد فعلي أن الجمهور سيدافع عن مصالحه الطبقية في الشارع؟!

الأزمة الاقتصادية في البلد كأزمة هي حقيقية. تتراكم على البلد ديون من فترة 15 إلى 16 سنة حتى الآن، ووصلت الديون المعترف بها من الحكومة اللبنانية إلى 40 مليار دولار بينما الديون الفعلية وصلت إلى فوق 50 مليار دولار. هذا دون احتساب الدين الذي للمواطن على ذمة الدولة( ديون الضمان الصحي والاجتماعي وديون بعض المؤسسات الصحية والاستشفاء، وغيرها، والديون الناتجة من مفاعيل غلاء المعيشة والفروقات لكل الموظفين من سنة 96 وحتى الآن ) ونخشى أن يكون الرقم قد وصل إلى حدود 55 إلى 60 مليار دولار، وهذا ما لا يستطيع المواطن اللبناني تحمله وموازنة الدولة اللبنانية لا تتشكل إلا من وفاء فوائد الديون، ومن رواتب الموظفين، أما ما يجري من تنفيذ بعض المشاريع فهي  منهوبة ومهدورة ستجري بمساعدات خارجية، وليست داخلية، وليست بإطار موازنة الدولة. بهذا المعنى: الغلاء وصل إلى حدود تقدر بمجملها الوسطي إلى 58 % دون زيادة غلاء المعيشة، أزمة على مستوى الاقتصاد الوطني المنتج بجوانبه الصناعية والزراعية جعلت من الاقتصاد اللبناني اقتصاداً هشاً، وبني فقط على الجانب الريعي والمربح والديون والعمل المصرفي والتجارة العقارية لتحميل المواطن عبء هذه الأزمة الاقتصادية المعيشية ألغيت مفاعيل المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي أقر بالطائف والذي جاء ليشكل حالة من التوازن بين الدولة والعمال، وأرباب العمل بشكل خاص الصناعيين. هذا المجلس ألغي دوره لتسهيل عملية الخصخصة، وبيع المؤسسات العامة وإلى الاستفادة منها من السياسيين الذين هم السماسرة، ويستفيدون من بيع المؤسسات. الآن مطروح بشكل جدي بيع مؤسسة الهاتف النقال. بهذا المعنى نرى أن من شوّه المجلس الاقتصادي الاجتماعي يتحمل مسؤوليته كل السياسيين اللبنانيين بمن فيهم أيضاً تغطية سابقة من الوصاية السورية عندما كانت موجودة. الجانب الثاني له علاقة بتدمير وحدة اتحاد العمال العام من خلال نقابات وهمية، ومصادرة قرار الاتحاد العام للعمال مما سهل بعد ذلك تجزئته بين القوى السياسية والطائفية الموجودة، بحيث أصبح لكل حزب قائم في لبنان نقاباته، ومنعت الحركة العمالية من أن تواجه بشكل جدي الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية للحكومات المتتالية، وللحكومة الراهنة. بهذا الإطار فإن هذا الوضع الذي تعيشه الحركة النقابية سَهَّل على القوى السياسية الطائفية عملية استقطاب الوعي الطائفي للوعي الطبقي بمعنى طغيان هذا الوعي الطائفي، والذي تكوّن عبر آليات الحركة السياسية التربوية والإعلامية في البلد أصبح طاغياً على الوعي الطبقي.

برأينا من الطبيعي أن العمل النقابي والاحتجاج الشعبي عادةً تحاول القوى السياسية إما أن تمنعه، أو تستفيد منه إذا كانت في المعارضة أو الموالاة، وأما أن يجري هذا الاستقطاب الطائفي الحاد، وينعكس ويعيق قليلاً تأثير العامل الاقتصادي الاجتماعي بتحركات الناس واستقطاباتهم... اليسار اللبناني يتحمل جزءاً من المسؤولية إنما هذا الجزء على قدر موازين القوى والاستقطابات الموجودة نحن نعمل خطة لإيجاد نوع من التحركات الشعبية الجامعة المستقطبة لفقراء لبنان بحيث لا يبقى في لبنان، وكأن هناك طائفة غنية، وطوائف فقيرة لأن هذا الوضع ليس صحيحاً. الشعب اللبناني يزداد فقراً ويزيد الاستقطاب المالي ليصبح أقل بحدود 54 % مستفيدين من هذه الحالة الاقتصادية الاجتماعية على حساب أغلبية البشر. الوضع الاقتصادي والاجتماعي الآن يختنق من قبل التجاذبات السياسية الطائفية.

• ألا تعتقد أن تفاقم الوضع المعيشي سيسهل مهمتكم باتجاه خلق تحركات جامعة غير طائفية، وبالوقت نفسه سيفضي إلى إضعاف الطبقة السياسية عموماً وخصوصاً فريق 14 شباط؟

المنطق السياسي يؤكد ما تذهب إليه، إنما بتعقيدات الوضع السياسي اللبناني والتداخل الطبقي والطائفي والسياسي، والدور التعبوي الإعلامي وتكوُّن الوعي عند الطبقة السياسية اللبنانية بكل أطرافها يصعب هذه المهمة، تعميم الجوع والفقر الذي يمارس كسياسة منهجية من الحكومة سيُسهِّل إلى حد كبير عملنا بالمرحلة اللاحقة، إنما هذا لا يعني بديهية انخراط كل القوى الشعبية بالتحرك. هذا ما لا يصير بشكل تلقائي خصوصاً بغياب حركة نقابية جدية موحدة، ولها حد أدنى من الاستقلالية.

• بالنسبة للاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب، أين أصبحت مبادرة عمرو موسى، وهل من عودة قريبة له إلى لبنان؟!

برأينا هذه المبادرة ولدت ميتة لأن النظام الرسمي العربي، وطريقة تعاطيه مع قضايا الصراع العربية مع المشروع الأمريكي الإسرائيلي جعل هذا النظام الرسمي العربي بشكل عام نظاماً متآمراً على الشعوب العربية خاصة والآن في العراق وفلسطين ولبنان، انطلاقاً من ذلك نحن منذ البداية اعتبرنا المبادرة بأحسن الحالات لن تؤدي إلا إلى هدنة مؤقتة.

لأن هذه المبادرة التي أغرقت اللبنانيين والعرب بصراع على الأرقام، وتفسير اللغة مرتكزة على تجديد النظام التحاصصي الطائفي في لبنان، وعلى إعادة إحياء بذور الأزمة اللبنانية، وجعل لبنان عرضة لمفاعيل المشروع الأمريكي بشكل أساسي ولردات الفعل على هذا المشروع من جهة أخرى، نحن برأينا المبادرة محكومة بالفشل ونتائج اجتماع الوزراء العرب تؤكد أنها محكومة بالفشل.

• أمام كل هذا الواقع، ما آفاق تطور الوضع في لبنان وخصوصاً بالنسبة لموضوع خيار المقاومة؟!

لم يكن خيار المقاومة عند الشعب اللبناني يوماً مرتبطاً بموقف الدولة وطبيعتها، وهذا دائماً ما نناقشه مع قوى المقاومة حالياً، المهم أن تكون الدولة دولةً داعمةً للمقاومة، ولكن ليس هذا هو الشرط الأساسي. الشرط الأساسي تاريخياً عند المقاومة ونجاحاتها هو وعيها لقضيتها ولضرورة مواجهة إسرائيل والاعتداءات المستمرة، وخرقها للأجواء اللبنانية، بهذا المعنى خلقت المقاومة في الستينات نتيجة عجز وتآمر الدولة اللبنانية. كان الحل هو وجود مقاومة ذات طابع شعبي هذا الاتجاه الذي عمله حزبنا حينها وبتأييد من الشهيد كمال جنبلاط - علّ البعض يقرأ اليوم - لإنشاء مقاومة تحل محل عجز الدولة. هذا الاتجاه هو الضامن لاستمرار روحية المقاومة وعلينا أن نقدر أن نستمر في هذا المجال، بغض النظر عن التطور الحاصل في البلد. أما آفاق الحل في لبنان: فبرأينا أن الصيغة التحاصصية في لبنان وصلت إلى المرحلة الأخيرة من موتها البطيء، وهي الآن في حالة موت سريري. سيحاول العرب والنظام الرسمي العربي والأمريكي والغربي إحياء هذه الصيغة التحاصصية وإعطاءها بعض الوقت إنما الوضع برأينا لا يمكنهم أن يجعلوها تعيش بشكل دائم، وبالتالي آفاق الحل في لبنان هي بالعودة إلى حتمية بناء صيغة وطنية جديدة على أساس الانتماء الوطني وليس التحاصصات الطائفية ومدخلها: إجراءات إصلاحية جدية- قانون الانتخاب على أساس النسبية -  إلغاء الطائفية وإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية-  وتشديد منطق مقاومتنا للاحتلال الإسرائيلي-  وتحرير الأرض والأسرى-  وإعادة العلاقات اللبنانية السورية إلى طبيعتها عبر مراجعة جدية نقدية للعلاقات السابقة والتخلي عن منطق التبعية أو العداء للشعب السوري بإحلال محلها علاقات طبيعية بين بلدين محكومين بالتكامل على أساس الندية، والاستقلال لكل دولة من الدولتين ولكن باتجاه التكامل بين هاتين الدولتين المستقلتين، وليس على أساس العداء أو على أساس التبعية.

• ما الرابط بين ما يجري في لبنان، وما يجري في فلسطين والعراق، والمنطقة بشكل عام؟

غونداليزا رايس.

• شكراً جزيلاً  لك د. خالد..

شكراً لكم، وتحياتي لـ«قاسيون» صحيفةً.. وجغرافيا...

آخر تعديل على الخميس, 24 تشرين2/نوفمبر 2016 12:15