حوار: جهاد أسعد محمد حوار: جهاد أسعد محمد

الرفيق أبو أحمد فؤاد لـ«قاسيون»: لن نتنازل عن الحقوق الفلسطينية.. وعلى رأسها حق العودة..

فجعت الجماهير العربية في السادس والعشرين من كانون الثاني 2008 برحيل القائد الأممي الكبير الرفيق د. جورج حبش الذي أمضى جلّ عمره مناضلاً صلباً ضد الإمبريالية والصهيونية العالمية، وظل حتى آخر رمق في حياته ثائراً شريفاً، لم يتزحزح قيد أنملة عن مبادئه الثورية، رافضاً التطبيع مع العدو الصهيوني، أو التنازل عن أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني..

في مجلس عزاء الراحل د. جورج حبش الذي أقامته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مخيم اليرموك بدمشق، التقت «قاسيون» الرفيق أبو أحمد فؤاد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.. وأجرت معه الحوار التالي: 

■ الرفيق القائد أبو أحمد فؤاد، العزاء لنا جميعاً برحيل حكيم الثورة، القائد التاريخي للجبهة الشعبية. كيف تنظرون للخارطة السياسية اليوم، خصوصاً بعد مؤتمر أنابوليس وإفرازاته الشديدة الخطورة على القضية الفلسطينية، وزيارة بوش الأخيرة إلى المنطقة؟

اسمحوا لي في البداية أن أعبر عن حزننا العميق والشديد بفقدان القائد الكبير، القائد الفلسطيني العربي الأممي، د. جورج حبش الذي أمضى ما ينوف عن ستين عاماً، وهو يناضل من أجل تحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني، وأهداف الأمة العربية وأهداف كل حركات التحرر في العالم والشعوب المظلومة.. هكذا كان الدكتور الرفيق جورج حبش، وهكذا ناضل حتى آخر أيام حياته.. بقي متمسكاً بثوابته الوطنية القومية التقدمية اليسارية، وبالتالي في هذه المناسبة نجدد العهد لشعبنا وأمتنا ولكل حركات التحرر، بأننا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سنقف دائماً إلى جانب الحق، وإلى جانب المواقف المناهضة للإمبريالية والمخططات العدوانية على المنطقة، وبشكل خاص مخطط الشرق الأوسط الكبير، والفوضى الخلاقة، ومخططات الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية، وهذا ما نعتبره فعلاً، وصية د. جورج حبش، بأن نستمر على النهج، والخط نفسه، وأن نتمسك بالثوابت، وأن نتابع النضال ضد الكيان الصهيوني وضد الإمبريالية الأمريكية ومخططاتها العدوانية، خاصة وأن الحكيم بقي حتى آخر حياته وهو يؤكد على أن كل فلسطين من البحر إلى النهر للفلسطينيين، ولم يعترف إطلاقاً بتقسيم فلسطين، ولا بالكيان الصهيوني الجاثم على أرضنا.

هذه هي قناعات الدكتور حبش، وهذا هو الهدف الاستراتيجي لنضال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين..

 أما فيما يتعلق بسؤالك، بالمسار السياسي العام، وأنابوليس وما أحرزته، فإن البعض يحاول أن يقلل من أهمية وخطورة مؤتمر أنابوليس، لكننا في الجبهة الشعبية مقتنعون بأن مؤتمر أنابوليس كان خطيراً جداً، وها هي تداعياته الخطيرة أصبحت ملموسة بوضوح الآن، وأحد أهم تعبيراتها هو حضور جورج بوش للمنطقة وتصريحاته المعلنة والواضحة، والتي أكد فيها أنه يؤيد تأييداًً كاملاً الكيان الصهيوني بكافة مخططاته وبرامجه، وأن كل ما قاله عن موضوع الدولة الفلسطينية لا أساس له من الصحة.

لو أن جورج بوش يريد الخير للفلسطينيين، أو أنه يريد أن يحل المشكلة أو الصراع العربي الصهيوني أو الفلسطيني الصهيوني، فأين كان خلال السبع السنوات الماضية من ولايته؟ كيف يريدنا أن نعتقد ونقتنع بأن كلامه عن الحل سليم، وأنه يتحرك بهذا الاتجاه بالأشهر القليلة الباقية له؟؟

لذلك نحن نعتبر أن أهم أهداف زيارة جورج بوش وأهم أهداف أنابوليس هي:

أولاً: أن يعطي للإسرائيليين مكاسب كبيرة على الصعيد السياسي والمعنوي والتسليحي والعسكري. لماذا؟ لأننا اعتدنا على أية إدارة أو رئيس أمريكي أن يقدم في نهاية ولايته هدايا ضخمة للكيان الصهيوني، وهذا المثل لا ينطبق على جورج بوش فقط، بل هناك أمثلة عديدة معروفة في الإدارات السابقة.

أما الهدف الثاني: فهو أن يكرس الانقسام بالساحة الفلسطينية، وهذا الهدف ترغبه وتريده إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

والهدف الثالث: هو أن يصل إلى عملية التطبيع الكامل مع الدول العربية، أو أغلبيتها على الأقل، التي حضرت مؤتمر أنابوليس.

إن الكيان الصهيوني يحاول منذ زمن طويل أن يصل إلى مرحلة التطبيع الكامل مع العرب، ويبدو أن ذلك صار قريباً من متناوله اليوم.

ويبقى الهدف الرئيسي من أنابوليس وزيارة جورج بوش إلى المنطقة هو التأكيد مجدداً على رغبة الكيان الصهيوني بإلغاء قرار حق العودة، لذلك تحدث بوش عن ذلك بشكل واضح ومعلن، وهي المرة الأولى التي تقوم فيها الإدارة الأمريكية بتناول هذا الموضوع بهذه الطريقة، فسابقاً كان يجري تأجيل البحث في هذا الموضوع على أن يطرح في المفاوضات من أجل المراوغة فيه، أما هذه المرة فصرحوا علناً بإلغاء حق العودة، والبحث في تفاصيل التوطين ودفع تعويضات اللاجئين الفلسطينيين. هذا ما نعتبره أخطر النقاط، لأننا نعتبر أن جوهر القضية هو هذا اللجوء، وهذا الطرد الذي جرى بحق الشعب الفلسطيني منذ 1948، واليوم يوجد /6/ ملايين لاجئ فلسطيني منتشرون في العالم، يريدون توطينهم ودفع تعويضات لهم، في حين أننا نريد أن يعود كل إلى بيته وممتلكاته. 

■ كيف يمكن تفعيل هذا الرفض، ومواجهة المخططات والمشاريع الأمريكية –الصهيونية، وعلى رأسها الفوضى الخلاقة التي تؤثر كثيراً في الساحة الفلسطينية، في ظل تفاقم الخلافات الداخلية الفلسطينية؟

حقيقة الأمر أننا عارضنا بشدة الانقسام الحاصل اليوم، وقلنا إن الخلافات الداخلية يجب أن تحل دائماً بالحوار وعبر الأساليب الديمقراطية، ونرفض أن يتم حسم الخلافات الداخلية بقوة السلاح، لأن هذا يشتت الساحة الفلسطينية، ويخلق انقسامات متعددة، ويشجع فريقاً ضد آخر، ويوجه السلاح بغير وجهته، تصور لو كل من امتلك إمكانيات التسليح أخذ يسيطر على منطقة معينة بقوة السلاح؟

نحن نقول إن كل ما جرى في هذا الإطار هو خطأً كبير ومضر للقضية، نحن في الجبهة الشعبية وبعد تجربتنا الكبيرة لأربعين عاماً، لم نرفع السلاح في وجه أحد، مع أنه كانت تقع بيننا وبين الآخرين خلافات سياسية كبيرة، ودائماً كنا نقول إن الصراع الداخلي إذا تحول إلى طابع عنفي باستخدام السلاح، فإن المستفيد الوحيد من ذلك بشكل أو بآخر هو العدو، وبالتالي فإن التناقض الرئيسي عندنا هو التناقض مع العدو الصهيوني، وأية تناقضات داخلية مابين الصف الوطني أو ما بين أبناء الشعب الواحد هي تناقضات ثانوية، يمكن حلها بأساليب أخرى لا عن طريق استخدام السلاح، وهذا ما جعلنا نرفض ما جرى في غزة، رغم أن هناك ملاحظات صحيحة تقولها حركة حماس، ونحن نقول أكثر منها بحق السلطة، فمثلاً نحن نطالب بإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية وإنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وإن هناك فسادا يجب معالجته. كل هذه القضايا نؤكد عليها، وتقول أيضاً إننا نرفض أية تنازلات سياسية، ونرفض هذا النهج السياسي المتبع اليوم، لكننا لم نعبر عن رفضنا يوماً باستخدام السلاح ضد هذه الفئة أو تلك أو أي فريق آخر.

على ضوء ذلك نرى من جهة، أن موضوع استخدام السلاح كان خاطئاً، وومن جهة أخرى، نرى أن الإجراءات التي اتخذها أبو مازن واتخذتها السلطة في الضفة ورام الله بشكل خاص أيضاً كانت خاطئة ولم نوافق عليها، بالأخص التي تلت أحداث غزة، لأن الشعب في غزة هو الذي دفع الثمن، فالجرائم استمرت على يد العدو الصهيوني رغم المفاوضات وكل المرونة التي قدمها الفريق المفاوض الفلسطيني، لهذا طالبنا المفاوضين بوقف المفاوضات لأنها تشكل غطاءً لأن يستمر العدو في الذبح والعنف في غزة والضفة الغربية، والعدو الآن يفكر بأن يأخذ بما طرحة جورج بوش، أي يهودية الدولة أو «إسرائيل اليهودية» حتى يقوم بعملية (ترانسفير) – ترحيل- لحوالي مليون ونصف المليون من عرب الـ/48/ وهذه أيضاً تعتبر جريمة كبيرة أخرى، وللأسف فهي يمكن أن تحصل بدعم أمريكي، علماً بأن شعبنا الفلسطيني الموجود بـ/48/ أو في أي مناطق أخرى لن يقبل لا بالتوطين ولا بالتهجير، كما لن يقبل بالتعويض، وسيبقى مصراً على أخذ حقوقه الثابتة بعودته لأرضه وممتلكاته مهما قدّم من تضحيات.

جورج بوش يريد ويعمل على إقامة دولة عنصرية يهودية في المنطقة، وإقامة دويلات صغيرة ومتنازعة في العراق ولبنان والصومال وغيرها من البلدان، هذه هي الفوضى الخلاقة، وهذا هو الشرق الأوسط الكبير الذي يفكر فيه جورج بوش، ولكن بقوة نضالنا ستفشل جميع هذه المخططات بالتأكيد.

■ والحال كذلك، ما الحلول المتاحة أمام الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية، وكيف يمكن إعادة اللحمة والوحدة الوطنية إلى الصف الفلسطيني؟

نحن نقول إنه علينا أن نتمسك بخيار المقاومة بكافة أشكالها وفي مقدمتها الكفاح المسلح، وأيضاً نقول إن هناك أساليب نضالية أخرى سياسية ودبلوماسية، لكن يجب أن تبقى جميعها ضمن الثوابت الوطنية، وأن نرفض التنازل عن أي ثابت من هذه الثوابت الوطنية.

النقطة الأخرى نحن نقول إن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد، وعلينا جميعاً الآن أن نتداعى لعقد انتخابات لمجلس وطني جديد، يشارك فيها الجميع ليصبح ممثلاً للشعب الفلسطيني، ومرجعية شرعية لكل الشعب الفلسطيني، وأن لا يكون حق الفيتو حكراً على أي تنظيم أو تيار كان، سواء أكان تياراً دينياً أو ماركسياً أو يسارياً أو قومياً، أي يجب تمثيل جميع فئات الشعب دون أي استثناء، ولكن أن يتم ذلك عن طريق الانتخابات الديمقراطية لا عن طرق التعيين، وبعد ذلك فنحن نرى أن المصالحة الداخلية والوحدة الوطنية أمر ضروري هام.. وهام جداً جداً، لذلك فإننا نؤكد على ضرورة البدء بالحوار اليوم قبل الغد من خلال ترتيبات داخلية تتم فيما بين الفصائل، ونحن كجبهة شعبية قدمنا مبادرة (لوحدنا)، وقدمنا مبادرة أخرى نحن والجبهة الديمقراطية والجهاد الإسلامي من أجل استعادة الوحدة الوطنية. هذه المبادرات تقوم على أساس تراجع حركة حماس عن سيطرتها على المقرات والأجهزة الأمنية وغيرها، وأن تسلم هذه المقرات لـ(الرئيس أبو مازن) أو من يتفق عليه، إذ من الممكن أن يتفق على طرف ثالث من هذه التنظيمات تتسلم هذه المقرات إلى حين إعادة مؤسسات السلطة، ومن ضمنها لحين إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أساليب سليمة تتحكم فيها المهنية والنزاهة، وأن تكون مهمتها الأساسية مقاومة أجهزة العدو والحفاظ على أمن الشعب، وليس العكس. هذا الأمر يمكن أن يحصل من خلال حوار وطني، لذلك ندعو لحوار وطني كامل وشامل لكافة القوى الوطنية الفلسطينية حتى نصل إلى حد نستطيع فيه معالجة هذا الوضع وهذه الانقسامات التي لا يمكن أن تكون لمصلحة الشعب الفلسطيني، بل هي بكل تأكيد ضد طموحاته وأهدافه، وسنبقى نبذل الجهد في هذا الاتجاه، ونقول في الوقت نفسه إننا موافقون على أي تدخل عربي أخوي أو من الأصدقاء للمساهمة في جمع هذه الأطراف كلها في الحوار، وإذا جاءت هذه المبادرات من أطراف حريصة على وحدتنا الوطنية، فنحن في الجبهة نرحب بها.

■ لقد تلقيتم ضربات موجعة في الداخل، وجزء كبير من كوادركم، بمن فيهم الأمين العام الرفيق أحمد سعادات موجود في المعتقلات الصهيونية، فما هو سبيلكم لتمكين مواقفكم وتكريسها على أرض الواقع؟

صحيح لقد تلقينا ضربات كبيرة، لكن رغم هذه الضربات الكبيرة التي تبدأ من الرفيق الأمين العام المختطف من العدو منذ عدة سنوات، ووجود أكثر من 800 كادر في سجون الاحتلال منهم من هو محكوم بالمؤبد، رغم كل ذلك هناك تيار عريض للجبهة الشعبية، هو التيار اليساري الديمقراطي الذي يدعم توجهات الجبهة الشعبية ومواقفها، ويناهض التسوية السياسية المطروحة، ويناهض التنازلات التي تقدم بين الفينة والأخرى، وبالتالي لم نعد عبارة عن إطار تنظيمي فقط، بل نحن تيار واسع، وتوجد معنا أيضاً تنظيمات أخرى، نحن وإياها نتعاون بحيث نصبح الفريق الثالث ما بين التيار الوطني العام (فتح) والتيار الإسلامي الذي تمثله حماس بشكل أساسي مع الجهاد الإسلامي، لنصبح الفريق الثالث الديمقراطي اليساري الذي يشكل ضمير الحركة الوطنية الفلسطينية، ويشكل أيضاً ضمان للوحدة الوطنية، والقاعدة الثالثة التي من الممكن الاستناد عليها من الشعب الفلسطيني والحركة الوطنية الفلسطينية.

لقد أصبح من الواضح وجود فريقين على الساحة الفلسطينية يتجاذبان في مسائل مختلفة، الفريق الثالث مازال ضعيفاً وينمو تدريجياً، بدعم وإسناد من القوى والأحزاب الوطنية والديمقراطية واليسارية في الوطن العربي، وبدعم من تيارات يسارية على الصعيد الدولي أيضا، وهو سيكون الأمل والخلاص..

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الخميس, 24 تشرين2/نوفمبر 2016 12:16