الأزمة العظمى للرأسمالية.. في وثائق اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين
استطاعت اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين منذ تشكيلها وعبر توسعها المستمر، أن تصيغ رؤية عامة لمجمل الواقع المتغير محلياً وإقليمياً ودولياً، مستندة في ذلك على قراءتها العميقة للماركسية نظريةً ومنهجاً وقوانين، وأمكن لها من خلال النقاش المفتوح بين كوادرها، والمتابعة الحثيثة لكل التطورات المتسارعة بشدة؛ استشراف الكثير من الأحداث والمتغيرات قبل حدوثها، حتى أصبحت وثائقها وبياناتها وتقارير اجتماعاتها الوطنية الدورية مرجعاً حقيقياً يمكن العودة إليه لفهم ما يجري على كل الصعد..
وقامت صحيفة قاسيون بدور كبير في إبراز هذه الرؤية من خلال افتتاحياتها وزواياها وترجماتها، وعبر مواكبتها للأحداث وتحليلها وتوعية الجماهير وتعبئتها لمواجهة التحديات.
وفي هذا السياق لا ضير من التذكير بأن وثائق اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين كانت قد استشرفت الأزمة الحالية التي تعصف بالرأسمالية العالمية، وسنسلط فيما يلي الضوء على بعض هذه الاستشرافات..
جاء في تقرير اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري الذي عقد في 18/12/2003 ما يلي:
«...إن تناقضات الرأسمالية ازدادت حدة بسبب المشكلة العضوية البنيوية التي تعاني منها، وخاصة اقتصادياً، إذ كانت تتصور أن الخلل الموجود لديها هو خلل وظيفي مؤقت يمكن تجاوزه بزيادة رقعة الهيمنة والسيطرة سياسياً وعسكرياً. وعندما اتضح أن استفحال التناقضات يمكن أن يؤدي إلى انهيار بنيوي شامل، لجأت إلى الحل العسكري عبر ما يسمى: حربها العالمية ضد الإرهاب كحل وحيد لمشكلتها. فأين تكمن أسس المشكلة لديها:
1. أزمة اقتصادية مستعصية:
... ولهذه الأزمة الاقتصادية المستعصية جانبها المالي العالمي الهام جداً في الظروف الحالية، فبعد إلغاء اتفاق «بريتين وودز» في أوائل السبعينات، حيث تم فك ارتباط الدولار والعملات الأخرى بالذهب، أخذت الإدارة الأمريكية حريتها بطبع كميات هائلة من الدولار الورقي، مستفيدة من حاجة السوق العالمية لعملة تداول عالمية تكون مقياساً ومعياراً بين العملات الأخرى مكان الدور الذي كان يلعبه الذهب، فنشأ نتيجة ذلك وضع جديد تميز بإنتاج الولايات المتحدة لكميات هائلة من الدولار الورقي أكثر بكثير من حاجة سوقها المحلية من أجل تلبية الطلب العالمي على عملة تلعب دور مقياس معيار للتبادل، وثبتت هذا الوضع بفرضها الدولار كمعيار للتبادل النفطي الذي يعتبر سلعة عالمية استراتيجية تؤثر على التبادل في باقي السلع. والواضح أن إنتاج الدولار الورقي بلا حدود أعطى الولايات المتحدة وضعاً تمييزياً سمح لها بالاستيلاء على ثروات العالم دون مقابل، ولكن هذه الأفضلية التي سماها كاسترو (فقاعة الصابون) التي لابد أن تنفجر في يوم من الأيام، تحولت إلى نقطة ضعف كبرى وصاعق يدفع الاقتصاد الأمريكي إلى الانهيار في حال تخلي العالم أو جزء منه عن الدولار كمعيار للتبادل...
ومنذ عام 1995 استخدمت الإمبريالية الأمريكية آلية البورصات العالمية التي تحولت إلى نادي قمار عالمي من أجل تسريع دوران الدولار الفائض عن حاجة الأسواق. والدليل على ذلك هو أن التبادلات في البورصات العالمية كانت حتى 1995 (90%) منها لها علاقة بالاقتصاد الحقيقي و(10 %) بالمضاربات المالية، التي تهدف إلى البيع والشراء السريع للأسهم بعيداً عن عمليات الإنتاج الحقيقية، وانقلبت الآية بعد 1995 إلى العكس، وأصبح (90%) من المبادلات لا علاقة لها بالاقتصاد الحقيقي. وإذا علمنا أن حجم المبادلات اليومية في البورصات العالمية يبلغ (1.5) تريليون دولار، نعرف تماماً حجم الأزمة التي يعانيها الدولار الأمريكي، وقد سمحت هذه الآلية بتأجيل انفجار الأزمة حتى 2001، حين دخول عامل جديد على الخط، وهو ظهور اليورو بكامل أبعاده في أوائل عام 2002، وكان كثير من الاقتصاديين والمختصين يتوقعون انهياراً كبيراً للدولار في الربع الأخير من 2001 بسبب مجمل العوامل المذكورة أعلاه، مما اضطر صندوق النقد الدولي أن يقترح على الإدارة الأمريكية في تقريره في حزيران 2001 الانتقال إلى سياسة الدولار الضعيف بالتدريج عبر تخفيضه (6 ـ 7%) شهرياً، وصولاً إلى (0 %) من قيمته الاسمية، وذلك تجنباً للصدمة التي يمكن أن يسببها اليورو بطرده للدولار من مساحة واسعة كان يشغلها، هي أوروبا الغربية.
وجاء في (تقرير هيئة الرئاسة بين جلستي المؤتمر الاستثنائي) بتاريخ 17/12/2004:
«أ ـ .. إن مهمة الحرب الاستباقية هي تأمين التفوق السياسي حتى إن كان التهديد العسكري غير موجود، فيكفي مثلاً تهديد التفوق الاقتصادي باكتشاف علمي ما في مكان ما كي تصبح الحرب الاستباقية مبررة بالنسبة لأصحاب هذه النظرية، وإن كان هذا يبرهن على شيء فإنه يبرهن على عمق الأزمة التي تعيشها الإمبريالية الأمريكية والتي لا حل اقتصادياً لها.
ب ــ (...) إن الولايات المتحدة الآن تعاني من شبح الاستغناء عن الدولار كمعيار للتبادل العالمي، الشيء الذي يمكن أن يحدث زلزالاً وانهياراً للاقتصاد الأمريكي...
ج ـ (...) كل ارتفاع 1% بأسعار النفط يؤدي إلى انخفاض النمو في العالم الرأسمالي بنسبة 0.8% ومن المعروف أن سعر برميل النفط قد تجاوز في الأشهر الأخيرة حاجز الـ 50 دولار وتتوقع منظمة الأوبك وكذلك البنك الألماني الذي هو اليوم أهم بنك في العالم من حيث حجمه المالي، وكذلك يتوقع مختصون مختلفون في فنزويلا وإيران وصول أسعار النفط إلى 60 70، بل 100 دولار للبرميل الواحد، وفي ذلك مشكلة عميقة قد تصل إلى أزمة تؤدي إلى بداية انهيارات شاملة في الاقتصاد الرأسمالي العالمي..
د ــ عندما يعلن بوش ورامسفيلد وبول وولفوتيتز أن لاشبه بين العراق وفييتنام ومن المستحيل القبول بالخروج من العراق كما حصل في فييتنام، هذا يعني ليس الخوف من هزيمة عسكرية كما حدث في فييتنام، بل الخوف من الانهيار الاقتصادي الذي لايمكن تلافيه فيما لو تخلت الإدارة الأمريكية عن أهدافها المعلنة من الحرب العالمية الرابعة...
(...) إن طبيعة الطاقم القديم والجديد وتوزيع المناصب في الولاية الجديدة لبوش (...) يعكس عمق واستفحال الأزمة لديها أكثر فأكثر، والتي لاحل لها إلا في الأوهام القائلة إن التوحش أكثر ضد الشعوب قد يأتي بالحلول، إلا أن التحليل العميق لظاهرة الشغف الأمريكي بالحروب يؤكد صحة انسداد الأفق التاريخي أمام الإمبريالية الأمريكية وبالمقابل بداية انفتاح الأفق التاريخي أمام خصومها قطب الشعوب، وهذا مايدفعنا إلى الاستنتاج بأن الولايات المتحدة الآن أمام حالة استعصاء شاملة..».
وجاء في تقرير هيئة الرئاسة لمؤتمر الشيوعيين السوريين الحادي عشر 28/4/2006:
«أصبح الميل العام لسعر البرميل نحو الارتفاع بشكل ثابت، وهو قد لامس حاجز الـ 70 دولار مؤخراً، والأرجح أن هذا الميل سيظل ثابتاً مما سيحبط الهدف المتوسط المدى للحرب الأمريكية على المنطقة التي دون توسيع رقعتها، لن تستطيع التحكم بسعره لصالحها.
كما تبين آخر الدراسات والتقارير أن الإمبريالية الأمريكية، نتيجة كل هذه الأوضاع المستجدة مضطرة لزيادة كتلة الدولار الورقي في التداول العالمي، مما جعلها تمنع منذ آذار الماضي نشر أي معطيات جديدة حول الكتل الدولارية الجديدة الداخلية إلى السوق وهذا الحل له حدان:
فهو إن كان من جانب يسمح بزيادة نهب ثروات العالم، ليخفف ضغط الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة، إلا أنه من جانب آخر، بزيادته للكتلة الدولارية إلى حدود غير مسبوقة، يزيد مخاطر الانهيار المفاجئ والكارثي للدولار، وما سيتبعه من انهيارات ملاحقة في كل المجالات..»
وجاء في تقرير اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين للاجتماع الوطني السادس 11/8/2006:
«... إن الاقتراب المتوقع في المدى المنظور للخطر الأمريكي من حدود روسيا والصين سيضطرهما لاتخاذ مواقف أكثر جذرية من الأطماع الإمبريالية الأمريكية، وهناك بداية تمايز للدور الصيني والروسي على الساحة الدولية، ولايجوز كذلك المراهنة على بعض الخلافات الأوروبية ـ الأمريكية، لأن الاتحاد الأوروبي وريث أوروبا العجوز بوجه عام سرعان ما يخضع للضغوط الأمريكية ويقدم على التواطؤ المباشر وغير المباشر ضد الشعوب وينخرط في السياسات العدوانية لواشنطن، خصوصاً أن الإمبريالية الأوروبية كذلك تعتبر الصين ودولاً آسيوية أخرى منافسين لها وستعمل لإعاقة بروز قوى عالمية كبرى جديدة. (...) إن كل ماسبق يؤكد أن الإمبريالية الأمريكية لجأت إلى الحل العسكري للخروج من أزمتها إدراكاً منها ـ بعد فشل نظريات نهاية التاريخ وصراع الحضارات ـ أن ميزان القوى بدأ بالتغير لغير صالحها على المستوى الكوني رغم كل أسلحة البطش التي تمتلكها.
(...) لابد من الوصول إلى الاستنتاجين التاليين:
أولاً ـ إن المؤشرات السالفة الذكر تدلل على أنه لامناص من تغيير جذري قادم في ميزان القوى بعد أن تكونت عناصر هذا التغيير على المستوى الدولي العام.
ثانياً: وهذا يقودنا إلى الاستنتاج الأهم وهو أننا أمام بداية مشهد انهيار متدرج للنظام الإمبريالي العالمي الذي تمثل الإمبريالية الأمريكية طليعته دون أن يستطيع أحد تقدير الآجال الزمنية لهذا الانهيار، ولكن لنقل إن هزيمة عسكرية واحدة جدية للإمبريالية الأمريكية تكفي لبروز كل مؤشرات الانهيار المتوقع... وهنا لايغير من هذه الفرضية وجود التفوق التكنولوجي للإمبريالية وحلفائها..».
وجاء في تقرير عن نشاط المجلس الوطني للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين 11/1/2008 جواباً على سؤال (أين وصلت الأزمة الامبريالية التي بتعمقها تنفتح الآفاق أكثر فأكثر أمام قطب الشعوب؟):
«1ـ إن حجم الدين الأمريكي بالنسبة لناتجها المحلي تبلغ نسبته اليوم 230%، وتقوم الحكومة الأمريكية لتجنب الإفلاس باستدانة ملياري دولار يومياً، بينما في 1929 عام الأزمة الشهيرة الكبرى، كان حجم الدين 130%، وقد وصل حجم الدين الأمريكي خارج المصارف إلى 29 ألف مليار دولار، وهو في تزايد يومي مع فوائده المركبة، وهذا ما يفسر إلى حد كبير الانهيار الجاري على قدم وساق لسعر صرف الدولار أمام العملات الأخرى، وارتفاع أسعار الذهب والنفط. والحل الواحد الوحيد أمام الامبريالية الأمريكية لتجنب الانهيار الاقتصادي المحتم، والذي سينقلها إلى دولة من الدرجة الثالثة أو الرابعة، هو الحرب، ثم الحرب، ثم الحرب!! هكذا تقول الحياة، وهكذا علمتنا التجربة، وهكذا تنبأت الماركسية.
2 ـ تترافق هذه الأزمة الامبريالية العميقة، مع انتشار عسكري كبير لم يسبق له مثيل من الامبريالية الأمريكية، حيث تتوزع على /575/ قاعدة في العالم، خارج الولايات المتحدة، وإذا كان عرض القوة هذا يبهر البعض، ويشلهم، ويجعلهم يسعون للانبطاح، فإن وقائع التاريخ تقول: إن انتشاراً كهذا هو لحظة عشية الانهيار، فالإمبراطوريات العظمى سقطت وهي في ذروة قوتها ولم تتلاشَ بالتدريج، منذ الاسكندر المقدوني، ولكن الفارق اليوم أنه إذا كان سابقاً الوصول إلى الذروة والانهيار يستغرق عشرات السنين، أو حتى بضعة مئات منها، فإن الإمبراطورية الأمريكية ستضرب جميع الأرقام القياسية بسرعة الصعود، وسرعة الانهيار. وإذا كان سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991 هو إيذان بانتصار الإمبراطورية الأمريكية، فإن السنوات القليلة جداً القادمة ستجعلنا نشاهد مناظر انهيار الإمبراطورية الأمريكية، وهذا الانهيار بتفاعلاته وأبعاده، سيتجاوز الحدود الجغرافية للولايات المتحدة، وسيصل إلى أقصى نقطة على الكرة الأرضية، وصلت إليها الرأسمالية المتوحشة..»..
3 ـ لقد علّمنا لينين أن الرأسمالية قادرة على تجاوز كل أزماتها إذا لم تعاجلها ضربة البروليتاريا خلال هذه الأزمة، واليوم ما هي اللوحة استناداً لهذا الفهم اللينيني؟:
أ ـ بعولمة الرأسمالية، أصبحت أزمتها نفسها معولمة، وبالتالي فالانهيار نفسه لن يكون إلا معولماً، وما يصح على الجزء حسب مقولة لينين، أي الجزء بالمعنى الجغرافي، يصح على الكل في هذه الحالة، حسب ظروف اليوم..»..
إن هذا الاستشراف في الرؤية، هو أحد أسرار استمرارية وتصاعد اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، ولكن هناك الكثير مما يجب القيام به على المستوى الذاتي للاستفادة من هذه الظروف الموضوعية، حتى نكون عند حسن ظن لينين الذي طالبنا بتوجيه الضربة للرأسمالية خلال أزمتها، مما يقتضي منا أن نقوم بحصتنا المتواضعة من هذه المهمة..