الافتتاحية «يا رايح لا تكثر قبايح»

يتوهم أولو الليبرالية الاقتصادية في الحكومة السورية أنهم أصبحوا محصنين لدرجة يمكنهم فيها تجاوز كل الخطوط الحمراء السابقة التي التزموا بها حتى الآن. فتصريحات الدردري الأخيرة في اجتماع عام يوم 30 تموز الماضي التي أكد فيها أنه:

«لا يوجد اقتصاد سوق اجتماعي .. لقد أتوا بكلمة اجتماعي وهي إضافة لا لزوم لها»، وتصريحات وزيرة العمل حول «إن العمال الدائمين بدعة، والتثبيت وهم نحن صنعناه»؛ تثبت بشكل يقطع الشك باليقين أن هذه المجموعة قد جاوزت المدى، وإذا أضفنا لما سبق تصريحات وزير الصناعة الأخيرة حول القطاع العام الصناعي وإمكانية خصخصة بعض أجزائه، فكل ذلك يأتي ليرفد مسلسل إنجازاتهم السابقة على الأرض من انخفاض للنمو الفعلي إلى زيادة مساحة الفقر كماً ونوعاً، إلى الفشل في مكافحة البطالة، وليس آخراً تفشي الفساد، والفشل في تطوير الإنتاج الصناعي والزراعي الذي وصل إلى حالة كارثية فعلاً..

ومن جهة أخرى، فقد أصبح الإجماع الوطني ضد السياسات الاقتصادية الحكومية أكثر وضوحاً مما كان عليه قبل رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وأكبر دليل ندوة جمعية العلوم الاقتصادية حول آثار ومنعكسات رفع الدعم التي جرت مؤخراً وشارك فيها طيف واسع من المجتمع يمثل المنظمات الشعبية العمالية والفلاحية والصناعيين والتجار والاقتصاديين، وغابت عنه الحكومة التي كانت مدعوة إليه بكل رموزها المسؤولة عن الملف الاقتصادي، إذ تبين وجود إجماع شعبي ومجتمعي حقيقي حول ضرر السياسات الاقتصادية المتبعة، ليس انطلاقاً من مواقف أيديولوجية أو مسبقة، وإنما انطلاقاً من قراءة نتائج هذه السياسات على أرض الواقع..

فوعود الحكومة بالالتزام بتوجيهات القيادة السياسية حول ضرورة تحسين أوضاع الناس المعاشية، تُرجمت على أرض الواقع بشفط القدرة الشرائية منها لتستقر في جيوب وأرصدة حفنة اغتنت وتزيد ثرواتها على حساب بطون الأطفال وطبابتهم وتعليمهم، كونهم أول المتضررين في المجتمع الذي يجري عبر هذه العملية الإخلال باستقراره ووحدته، ولتزيد مستويات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وضغوط الحياة على كاهل كل فرد من أفراد المجتمع الذي يستحق بجدارة العيش الكريم بعد كل التضحيات التي قدمها على مر السنين للحفاظ على كرامة البلاد وسيادتها واستقلالها..

إذاً، فمن الواضح الآن أنه كان يجري بشكل ممنهج تطبيق سياسات لا علاقة لها بمصلحة البلاد، والأسوأ من ذلك أن لا علاقة لها بالسياسات المعلنة والمقرة من الهيئات الشرعية القائمة في البلاد لمصلحة الليبرالية الاقتصادية باتجاه تحرير الأسواق وتقييد قوة العمل وتخفيض الرواتب والأجور وتصفية كل أنظمة الحماية الاجتماعية التي كانت الدولة تقوم بها، هذه السياسة يجري تطبيقها بدقة محسوبة لمصلحة حفنة لا نعلم أين ستحط رحالها في نهاية المطاف، ولكن الأكيد أن مكانها الأخير حيث جيوبها وحساباتها المصرفية..

إن الواقع الموضوعي اقتصادياً، والمناخ الاجتماعي، أصبح جاهزاً أكثر من أي وقت مضى لتغيير اتجاه التطور الاقتصادي ـ الاجتماعي، والمطلوب اليوم ليس تخفيف حدة الإجراءات الليبرالية التي هي أصلاً نسخة مخففة في سورية عن أخواتها من البلدان المشابهة، والسبب في ذلك كان يكمن دائماً في درجة مقاومة وممانعة المجتمع وجزء هام من النظام لهذه الإجراءات، بل المطلوب تصفية هذه السياسات جذرياً، لأن سورية المستهدفة البارحة واليوم وغداً، لا تحتمل في بنيتها ووظيفتها التاريخية هذه السياسات أبداً، لأنها تدخل أصلاً في تناقض حاد ومستعص مع هذه البنية والوظيفة التي هي قدر لا راد له.. بل إن هذه السياسات هي الطارئ والعابر الذي سيكنّسه الشعب السوري دفاعاً عن تاريخه ومثله وقيمه، لذلك نقول لمروجي ومطبقي هذه السياسات: «يا رايح لا تكثر قبائح» لأن القوى الحية والنظيفة في البلاد لن تغفر لكم، وهي قادرة على الدفاع عن كرامة الوطن والمواطن..

آخر تعديل على الإثنين, 05 كانون1/ديسمبر 2016 23:56