كيف أصبحت شيوعياً
ضيف زاويتنا لهذا العدد
الرفيق دعيبس أبو فخر..
الرفيق المحترم أبو رامي مرحباً بك.. نود أن تحدثنا كيف أصبحت شيوعياً؟
أنا من مواليد قرية (ريمة اللحف) بمحافظة السويداء 1944، في أسرة حملت حب الوطن في نبض أفرادها، فوالدي حمد أبو فخر من رجالات الثورة السورية الكبرى عام 1925، ومن الذين شاركوا في معركة المزرعة المشهورة، وفيها أصيب بشظية بقيت مستقرة في فخذه طيلة حياته، ودفنت معه. هذه بيئتي التي نشأت فيها، وتركت تأثيرها في إدراكي وسلوكي ومجمل حياتي.. والدي غرس في نفوسنا مشاعر الانتماء للوطن، وربانا على حبه والإخلاص له، وكان مهتماً بالعلم والمعرفة، وله مكانته الاجتماعية، وبعد تحرر بلادنا من براثن الاحتلال الفرنسي سعى إلى إنشاء مدرسة في القرية، فاستضاف في بيته محافظ السويداء السيد عارف النكدي ومدير المعارف الأستاذ عثمان الحوراني، وبحضور أهل القرية طرح مشروع بناء مدرسة لأبناء القرية، وقد لاقى ذلك تأييداً حاراً، وافتتح والدي باب التبرع، فكان المحافظ ومدير المعارف من المساهمين بالتبرع، وكذلك فعل أهل القرية، وتم بناء المدرسة في بداية خمسينات القرن الماضي بجهود الجميع، هذه المدرسة التي كان لها الفضل الأول في نشر الثقافة وتنمية الوعي السياسي، وفي تفتح وعيي الفكري، حيث كان المعلمون فيها من مختلف أنحاء البلاد ومن شتى الاتجاهات السياسية، منهم الشيوعي والبعثي والسوري القومي و(المستقل)، وكان والدي يستقبلهم ويؤمن لهم الإقامة والسكن المناسب، وفي مضافته يلتقون يومياً فيدور بينهم الحوار والنقاش، وكنت أصغي لكلامهم وأعجب بأحاديثهم، وشيئاً فشيئاً صرت أتأثر بها، وبدأت أتابع القضايا السياسية والاجتماعية والوطنية. في ذلك الوقت كان يسكن في بيتنا ابن عم لي اسمه نمر أبو فخر، وهو من كوادر الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كان له نشاطه الكبير في قريتنا، وكان يزوره بين الحين والآخر ابن عمي فوزي أبو فخر وهو شيوعي من قرية (نجران)، فيتحاوران في مختلف القضايا العامة وبخاصة السياسية والاجتماعية ويحتدم بينها النقاش، أما أنا فقد كنت معجباً بما يطرحه فوزي، ومنه سمعت وعرفت الكثير عن الاتحاد السوفيتي دولة العمال والفلاحين ومكانته الدولية، ومنه أيضا سمعت وتكرر على مسمعي اسم الرفيق خالد بكداش الذي اقترن اسم الحزب باسمه على مدى سنين طويلة. ومن ذكريات تلك الأيام إعجابي الشديد بمجلة «بلاد السوفييت» التي كان المعلمون الشيوعيون يحضرونها لوالدي فتأسرني بصورها وألوانها ومن ثم موضوعاتها. تعلمت في مدرسة القرية ثم تابعت دراستي وحصلت على الشهادة الثانوية-الفرع العلمي عام 1965. وفي العام ذاته توفي والدي، وعلى الرغم من أن علامات النجاح كانت تؤهلني للدراسة في أي فرع في الجامعة، إلا أنني كنت مجبراً على دخول الصف الخاص لنيل شهادة التعليم الابتدائي، وذلك لأنني أصبحت المعيل لأسرتي، وكنت قد تقدمت بطلب انتساب إلى الحزب الشيوعي السوري، وفي عام 1967 ذهبت في عداد وفد من المعلمين الشيوعيين لزيارة السفارة السوفييتية بدمشق لتقديم التهاني بمناسبة الذكرى الخمسين لثورة أكتوبر العظمى. تعرفت على رفاق كثيرين وعملت معهم، واعتذر عن ذكر أسمائهم فهم كما قلت كثيرون جداً وأخشى ألا تسعفني الذاكرة في سرد كل الأسماء الجديرة بالذكر، وحسبي أن أقول بصدق إنهم كانوا مثالاً رائعاً للنضال والتضحية والوفاء للمبادئ والعمل الحزبي المتفاني وللنشاط السياسي والاجتماعي الواسعين. وفي عام 1968 ذهبت معلماً معاراً إلى الجزائر، وهناك كنت أتابع الأوضاع السياسية من خلال قراءة جريدة حزب الطليعة الاشتراكية وهي صحيفة سرية تصدر باللغة العربية الدارجة، وكانت تصلني عن طريق بعض الرفاق الجزائريين، أما عن الأوضاع في الوطن فقد كانت تصلنا عن طريق بعض الرفاق المعارين الذين كانوا يذهبون إلى سورية لقضاء عطلة الصيف، وفي الجزائر علمت بالانقسام الأول الذي أصاب الحزب بعد المؤتمر الثالث، وتأثرت بذلك بالغ الأثر وتألمت كثيرا. في عام 1972 عدت إلى الوطن وأديت الخدمة الإلزامية، وقبيل انتهائها وجدت نفسي (منقولاً مع كثير من الرفاق) من سلك التعليم إلى دوائر الدولة الأخرى!! ثم تتالت الانقسامات والخلافات في الحزب، وكانت دائماً في قيادة الحزب وتنعكس علينا في القواعد، في عام 1980 عدنا إلى التعليم، وفي عام 1986 مثلت الحزب في فرع نقابة المعلمين بمحافظة السويداء حتى عام 1991.
نعم كنت موجوداً في الانقسامات والتكتلات، لكنني كنت أحافظ على علاقة جيدة بالرفاق في مختلف الفصائل الشيوعية، ومن المهام الحزبية التي كلفت بها (سكرتير فرقة_عضو لجنة فرعية_سكرتير لجنة فرعية في الريف ثم في المدينة). في عام 2001 قمت مع مجموعة من الرفاق بطرح شعار وحدة الحزب وعملنا من أجل ذلك، وعندما اطلعت على ميثاق شرف الشيوعيين وجدت فيه البوصلة التي تجعلنا نسير في الاتجاه الصحيح، فكنت في عداد الموقعين عليه.
لقد كانت السويداء سباقة في تشكيل أول لجنة مبادرة لوحدة الشيوعيين السوريين وذلك في أوائل عام 2002 نتيجة اللقاءات التي مضى عليها أكثر من عام في حينها والتي كانت تضم مجموعة من مختلف الفصائل الذين جعلوا وحدة حزبهم هدفا لهم. كنت صلة الوصل بين لجنة المبادرة في السويداء وبين المركز إلى أن تم عقد الاجتماع الوطني الأول في 18/10/2002 الذي ساهمت فيه لجنة المبادرة في السويداء مساهمة جادة. إننا اليوم بحاجة ماسة للوحدة، لنبذ الحالة الفصائلية الموجودة على الساحة، لكي نبني حزباً جماهيرياً يؤدي دوره الوظيفي في الحياة الاجتماعية والسياسية والطبقية، ليقوم بمهامه في الدفاع عن الوطن والدفاع عن مصالح الشعب، حتى يؤمن كرامة المواطن فلا كرامة للوطن دون كرامة المواطن، وعند ذلك نكون قد أصبحنا شيوعيين فعلاً.
■ إعداد محمد علي طه