الافتتاحية قمة بالاسم.. فضيحة بالمضمون

كما كان متوقعاً، خاب ظن الذين تفاءلوا بقمة الكويت الهابطة، والتي خرجت بتسويات بينية مكرورة، ولكن بلا قرارات سياسية تستر عورة الداعين إليها من دول الاعتلال العربي.. ومن هنا تبقى المقاومة هي القمة المطلوبة، وكل ما عداها مضيعة للوقت، لن يقود إلا إلى التفريط بالكرامة الوطنية ودماء آلاف الشهداء والجرحى وصمود المقاومين الأبطال في ميدان المعركة.

بالمقابل ومن خلال الالتزام بخيار المقاومة، قدم الشعب الفلسطيني وعلى مدى ثلاثة وعشرين يوماً من العدوان الصهيوني، تضحيات أسطورية تعجز اللغة عن وصفها، بدماء أبنائه المدنيين وأبطاله المقاومين ضد الآلة العسكرية الإسرائيلية وضد أهداف هذه الحرب البربرية القريبة والبعيدة.

ومن هنا كانت معركة غزة مفصلية، لأن التحالف الإمبريالي- الصهيوني- الرجعي العربي، أراد إلغاء الوجود الفلسطيني هويةً وكياناً، ولأن غزة تاريخياً كانت النواة الصلبة في المقاومة الفلسطينية أراد العدو تفكيكها أو إرغامها على الاستسلام، ثم الاستمرار في محاولة فرض الهيمنة الإمبريالية- الصهيونية على المنطقة انطلاقاً من كسر شوكة المقاومة فيها.

لكن صمود الشعب الفلسطيني في القطاع أرغم العدو على التراجع ووقف إطلاق النار، وهذا يوصلنا إلى الاستنتاج الأهم، وهو أن خيار المقاومة لا يردع العدوان فقط، بل هو الطريق الأكيد نحو الانتصار النهائي على قوى العدوان الإمبريالي- الصهيوني مهما بلغت قوتها العسكرية، ومهما استخدمت من أساليب الإرهاب والإجرام الموصوفة.

وهكذا، بفضل صمود المقاومة وشعبها وكسر إرادة المحتل، وخروج الجماهير في العالم العربي والعالم إلى الشوارع بالملايين متضامنين مع قطاع غزة، ظهرت إلى العيان أكثر من أي وقت مضى، خيانة النظام الرسمي العربي للأوطان والمقدسات ودماء الشهداء (النظامان المصري والسعودي نموذجاً).. لقد غاب قادة دول الاعتلال العربي عن المواجهة، واتهموا المقاومة- كما في حرب تموز- بالمغامرة، ورفضوا في البداية عقد أية قمة خاصة بغزة، ولم يحضروا إلا إلى موائد التعويضات المالية ليثبتوا تخاذلهم في «الجهاد» ويكتفوا بدفع «الجزية».

ففي قمة الكويت، وعند الوصول إلى اتخاذ القرارات الحقيقية، رفض محور مبارك وآل سعود الاقتراحات الجدية التي تقدم بها السيد الرئيس بشار الأسد حول «الوقوف إلى جانب غزة وليس البحث عن تسويات بهدف إرضاء إسرائيل ومن يقف معها..»، أو حول «أن تتبنى القمة رسمياً وصف الكيان الصهيوني بالكيان الإرهابي»، أو حول ضرورة «إغلاق السفارات الإسرائيلية فوراً أو قطع أية علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل بالإضافة إلى تفعيل أحكام المقاطعة»..

كنا نؤكد دائماً أننا لا نراهن على القمم العربية، وها قد جاء البيان الختامي لقمة الكويت ليؤكد أنها كانت «قمة» في الشكل وفضيحة في المضمون، بغض النظر عن مشهد تقبيل اللحى في اليوم الأول، لأن النظام الرسمي العربي انهار واستنفد نفسه، وهو مرتبط جدياً بما يُرسَم له من خارج الحدود، خصوصاً بعدما اعتبر قادة دول الاعتلال العربي أن المقاومة هي المشكلة وليس الاحتلال، وقد تجرأ بعضهم على اعتبار العدوان الصهيوني على غزة «نتيجة للمقاومة المغامرة»، فلولا خوف الحكام على عروشهم من انتفاضة الشارع العربي لما حضروا القمة أصلاً.

إن العدوان على غزة أثبت أنه ليس للمقاومة إلا اسمها وفعلها وفاعليتها: المقاومة.. وليس للعدو الصهيوني إلا صفته الثابتة كعدو إرهابي يتحدّر من سلالة النازية والفاشية، وبالتأكيد سيلقى مصيرهما المعروف.

بعد الصمود الأسطوري لأهل غزة من حق الشعوب أن تحاسب أنظمتها وما فعلته خلال العدوان بوصفها معاديةً وخائنةً لحق شعوبها في التحرر والاستقلال.

ومن هنا فإن أية محاولة لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل العدوان باسم شرعية زائفة وقادة مهزومين وسلطة بائسة، هي خط أحمر لا يجوز السماح به. إن مواجهة الاتفاق الأمني الأمريكي- الإسرائيلي المدعوم من دول الأطلسي، نقل المواجهة المرتقبة إلى إحداثيات جديدة وخطيرة تطال المنطقة برمتها، وتهدف إلى الأهداف ذاتها التي جرى من أجلها العدوان على غزة.

وكل هذا يتطلب توسيع رقعة المقاومة والإصرار على دحر الاحتلال في الجولان والأرض الفلسطينية وفي الجنوب اللبناني، وتعزيز معسكر المقاومة بالانتقال من الممانعة إلى خيار المقاومة الشاملة، وتعميق الفرز بين معسكر المقاومين ومعسكر المهزومين في المنطقة، وصولاً إلى الانتصار الأكيد على التحالف الإمبريالي- الصهيوني، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 00:39