الليبرالية الاقتصادية تنسف الأمن الوطني

يُقاس نجاح السياسات بالنتائج التي تحققها، وليس بالإعلان عن النوايا التي تريد الوصول إليها.. فالخطة الخمسية العاشرة كانت تريد مثلاً محاربة الفقر عبر تخفيض مستوياته المعلن عنها آنذاك، ومع اختلافنا حول طريقة قياس الفقر التي اعتمدت مؤشرات تعتمدها المؤسسات الدولية وتطبقها في كل أنحاء العالم بغض النظر عن المكان والزمان، فإن الخطة الخمسية العاشرة أعلنت أنها تريد تخفيض حد الفقر الأدنى الذي كان يشمل نحو 11 % من السكان، وكذلك حده الأعلى الذي كان يضع في دائرته 30 % منهم

ولكن التقديرات الأولية اليوم- بعد مضي أكثر من نصف مدة الخطة- تقول إن حد الفقر الأدنى قد ارتفع إلى 14 % وحده الأعلى ارتفع إلى 44 % من السكان، ولن تفلح حجة أن الأزمة الاقتصادية العالمية قد سببت هذه النتائج، لأن هذه التقديرات قد بنيت على أرقام ما قبل اندلاع الأزمة بقليل..

وهذا يعني شيئاً واحداً فقط لا غير، وهو الفشل الذريع للسياسات الاقتصادية الانفتاحية الليبرالية التي عمقت مشكلات الاقتصاد والمجتمع، ولم تفلح في حل أية مشكلة منها، ابتداءً من الفقر إلى البطالة وصولاً إلى حجم الاستثمار في قطاعات الاستثمار الحقيقي..

والسؤال الكبير هو: كيف يجب أن نقرأ هذه النتائج في ضوء الظروف المعقدة التي تعيشها منطقتنا وبلادنا؟!

منذ انطلاق الهجوم الإمبريالي العام وخاصةً الأمريكي- الصهيوني بعد 11 أيلول 2001، حاول بأشكال مختلفة أن يأخذ بلادنا من الخارج عبر ممارسة كل أشكال الضغوط السياسية والعسكرية، ففشلت كل محاولاته الواحدة تلو الأخرى بفضل صلابة شعوب المنطقة وبلادها التي حمت بصدورها العارية خط المقاومة والممانعة..

وكذلك حاولت هذه المخططات أخذ البلاد سياسياً من الداخل، ففشلت كذلك بفضل الحس الوطني الرفيع الذي يتمتع به شعبنا، والذي أمّن الحد الضروري من الوحدة الوطنية التي تتطلب المزيد من التعزيز والتصليب..

فبقي الحل الوحيد أمام أصحاب هذه المخططات، وهو تعقيد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على أمل أن يخلق ذلك مع الوقت تلك الأرضية الضرورية لإحداث حالة من عدم استقرار اقتصادي واجتماعي يسمح في نهاية المطاف بجني ثماره السياسية.. أي أنهم يريدون الحصول على النتائج نفسها التي لم يستطيعوا الوصول إليها بالوسائل القاسية سابقاً..

من هنا، لابد من الوصول لاستنتاج أن الأمن الاقتصادي والاجتماعي للبلاد هما جزء أساسي من أمنها الوطني، ويتم استهدافهما اليوم لخلخلة الأمن الوطني بالمعنى الواسع للكلمة..

لذلك لابد من القول إن السياسات الليبرالية في الاقتصاد قد دخلت في تناقض مباشر ومستعص مع الأمن الوطني للبلاد، وهي بالنتيجة، وبغضِّ النظر عن النوايا تؤدي إلى نقل الصراع إلى داخل البلاد، ورفع حدته في المجتمع، وهذا الأمر هو نتيجة موضوعية لهذه السياسات التي أثبتت بالنتائج هذه الحقيقة المعروفة سابقاً..

والأمر كذلك، أصبح السؤال المطروح: ألا يستدعي الوضع وقفةً جديةً لمراجعة هذه السياسات وإعادة النظر فيها جذرياً ووضع استراتيجية بديلة تتوافق مع مصالح الأمن الوطني للبلاد، وتأخذ بعين الاعتبار المتغيرات العالمية التي لم تعد بحاجة إلى إثبات بعد فشل السياسات الليبرالية الاقتصادية وانهيارها نهائياً في كل مكان؟!..

إن جوهر أية استراتيجية اقتصادية بديلة يجب أن يستند إلى تحقيق نموٍّ عالٍ للاقتصاد الوطني مع تحقيق عدالة اجتماعية رفيعة المستوى، الأمر الذي لن يتحقق دون تأمين الموارد الداخلية لهذه العملية التي سيكون مصدرها الأساسي مكافحة الفساد والنهب في الاقتصاد الوطني عبر أوسع انفتاح على الأكثرية الساحقة من الشعب المتضررة من المنحى الاقتصادي الجاري في البلاد، ما يؤمن أكبر رقابة ممكنة على جهاز الدولة الذي أضحى وضعه يتطلّب إصلاحاً مؤسساتياً عميقاً.. وفي ذلك ضمانة لتحقيق كرامة الوطن والمواطن.

 

آخر تعديل على الثلاثاء, 25 تشرين1/أكتوير 2016 11:40