لقاءات موسكو: «بناء الثقة»- «جنيف3»- «الحل السياسي»!!
على ضوء النتائج الإيجابية للجولة الأولى من لقاء موسكو التشاوري من المفترض أن مختلف الأطراف المعنية فيه باشرت مسبقاً تحضيراتها للجولة الثانية منه.
وفي الأثناء يجري عمل محموم- متوقع بطبيعة الحال- من أطراف متعددة بغية تصعيد وتوتير الأوضاع في سورية وحولها بمستوياتها الميدانية والإعلامية والسياسية، في محاولة للتملص من الانعطاف الذي أحدثه لقاء موسكو في مسار حل الأزمة السورية. وإن كان التصعيد الجاري لم يتمكن من تجاوز حدود معينة وصلها سابقاً، فإنّ ذلك يعود لأمرين: الأول، هو حقيقة تقدم تظهير ميزان القوى الدولي الجديد الذي يميل بمحصلته العامة، وبالإسقاطات على الوضع السوري، باتجاه الحل السياسي. والثاني، يتعلق بالإنهاك العام الذي أصاب المتشددين من كل الأطراف وحجّم قدرتهم، ليس على تغيير الموازين فحسب (وهذه الإمكانية انتهت منذ فترة طويلة) بل وحتى على المكابرة وإحداث خروقات جزئية، ذات وزن.
وإذا كان هذا هو الوضع الميداني، فإنّ محاولات التصعيد السياسي والإعلامي هي من تحتل الدور الأبرز ضمن محاولات العرقلة، ولكنها تأتي بائسة مكررة ودون أي صدى فعلي تقريباً.
من البديهي القول أن محاولات التصعيد تحاول التشويش على نتائج الجولة الأولى من «لقاء موسكو» والاستباق على الثانية منه، فإنّ الرد يكون بالتركيز على تلك النتائج وتثبيتها والعمل الجدي لاستكمال نواقص الجولة الأولى في إطار التحضير للجولة الثانية.
إنّ أهم نتائج واستخلاصات الجولة الأولى تتلخص بما يلي:
• الحل السياسي حلاً وحيداً، وعلى أساس بيان «جنيف-1».
• إنّ المعارضة الوطنية تتحمل مسؤولياتها الوطنية بجدية ومستعدة للوصول إلى توافقات فيما بينها ومع النظام تسمح بإيقاف الكارثة الإنسانية في سورية وإخراجها من الأزمة.
• إيقاف الكارثة الإنسانية يعني الترابط والتلازم والتزامن بين مكافحة الإرهاب والتغيير الجذري الشامل واعتبارهما أولوية واحدة.
• المعارضة السورية تعددية ينسجم تعددها مع الدستور الجديد ومع سورية الجديدة التعددية، وليس مطروحاً، لا للنقاش، ولا للتذرع، مسألة «توحيدها»، والمعارضة التي شاركت في لقاء موسكو أثبتت أن التوافقات ممكنة دون أن تكون «حزباً واحداً قائداً» على طراز الدستور السوري القديم.
رغم الأهمية الكبرى للجولة الأولى من اجتماع موسكو، فإنّ نواقص تخللتها، لا تقلل من أهميتها الانعطافية وتنبع من درجة تعقيد الأزمة السورية، ولكن ينبغي استكمالها في الجولة الثانية، وهي:
• استكمال حضور من لم يحضر من المعارضات السورية المختلفة.
• العمل الجدي من أجل الاتفاق على خطوات عملية لبناء الثقة تمهيداً للطريق أمام «جنيف-3» حيث سيجري الشروع العملي بتنفيذ الحل السياسي على الأرض.
إنّ الحل السياسي في سورية لا يعني «أي حل»، فالخروج الجدي من الأزمة، إذ يتطلب محاربة الإرهاب، فإنّ هذه المحاربة لن تسير قدماً إلا بانطلاق عملية التغيير الوطني الديمقراطي الجذري العميق والشامل بعد اتضاح خطوطه ومستلزماته والتوافق عليها، بما يؤمن الحد المطلوب من الوحدة الوطنية لمواجهة هذين الاستحقاقين، ما يعني أنّ التغيير الجذري الشامل سيشكل ضمانة ليس لمحاربة الإرهاب فحسب، بل ولمنع إعادة توليد الأزمة مجدداً، فإعادة إنتاج الأزمة بشكل مستمر ستكون أمراً «مضموناً» ما لم يحدث التغيير الجذري الشامل!
إنّ الفترة القصيرة المتبقية لما قبل الجولة الثانية من موسكو، ستشهد نشاطاً عالياً لقوى التشدد والعرقلة الداخلية والإقليمية والدولية، ولكنها ينبغي أن تشهد أيضاً نشاطاً فعالاً وكثيفاً لكل القوى الوطنية من مختلف الأطراف، لقوى الحل السياسي، سواء التي شاركت أم لم تشارك بعد باللقاء التشاوري، وذلك للعمل على توسيع التوافقات وتعزيزها وصولاً إلى البدء بإجراءات بناء الثقة، وتكريس طاقة الأمل التي أبصرها السوريون من «منصة موسكو للحوار».