من 2009 إلى 2010.. استمرار الانتصارات

«إذا أجرينا تقييما شاملاً لمحصلة الصراع بين الإمبريالية العالمية وقوى الشعوب في هذه الفترة الزمنية القصيرة لرأينا أنه قد تم تحقيق انتصارات هامة خلالها تعكس ميلاً عاماً يتسم ببداية انكفاء القوى الإمبريالية وصعود قوى الشعوب..
.. كل ذلك يؤكد ما أتى عليه الشيوعيون السوريون منذ أوائل القرن الحالي في مختلف وثائقهم حينما أكدوا أن ملامح الأزمة الإمبريالية الأمريكية تؤكد تباشير انهيار قادم لها في المدى المنظور، الأمر الذي لن يحدث دون مواجهتها بشجاعة وممانعتها بجرأة وحكمة، ما سيفضي إلى تغيير هائل في ميزان القوى العالمي، ودخول البشرية في عصر جديد رغم كل المظاهر المحبطة التي تطفو على السطح أحياناً.

من هنا، وآخذين بعين الاعتبار كل هذه المتغيرات نعتقد أن كل الظروف تتكون للانتقال من الدفاع إلى الهجوم المعاكس على كل الجبهات الوطنية العامة والاقتصادية- الاجتماعية الديموقراطية».
هذا ما جاء حرفياً في افتتاحية قاسيون نهاية عام 2006 «من الدفاع إلى الهجوم المعاكس» في العدد 287 تاريخ 7 كانون الأول.. وإذ نذكّر بما جاء سابقاً، فلكي نستطيع تقدير المسافة التي قطعت منذ ذلك الحين حتى اليوم بهدف استشفاف أدق لآفاق المستقبل..
ـ لقد كان عام 2009 عام تعمق الأزمة الرأسمالية العظمى التي اعترف أصحابها باندلاعها في أيلول 2008، وهي إن أكدت على شيء فقد أكدت على أن الطريق مسدود أمام الرأسمالية، وهي غير قادرة على الخروج من أزمتها الحالية كما خرجت سابقاً من أزمات شبيهة في القرن العشرين.. وهي إن كانت تبحث عن حلول جديدة، فهذه الحلول تضعها في مواجهة شاملة لم يسبق لها مثيل مع كل شعوب الأرض، وإضافة إلى ذلك هذه المرة، مع الطبيعة نفسها، وكانت قمة كوبنهاغن دليلاً ساطعاً على ذلك..
ـ لقد برزت تداعيات الأزمة الرأسمالية العظمى وتوضحت انعكاساتها من خلال حال السياسة الخارجية الأمريكية التي تعاني من تخبط شديد، وتحاول إيجاد بدائل مختلفة للخروج من الورطة العسكرية التي دفعتها إليها الأزمة الاقتصادية. وفي كل الأحوال إذا كان ما بعد 2006 هو بداية تراجعها، فإنها خلال هذه الفترة، وخصوصاً في 2009، قد اضطرت إلى التراجع في مواقع عديدة، ما يعني تقدم قوى الشعوب في هذه المواقع نفسها..
والورطة التي تعاني منها الرأسمالية العالمية وطليعتها الإمبريالية الأمريكية هي أعقد وأخطر بكثير من ورطة الإمبراطورية البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث غابت شمسها، واضطرت أن تسلم راية القيادة الإمبريالية للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لسبب واحد وهو أن الإمبريالية الأمريكية بتراجعها وانكفائها لا تستطيع تسليم الراية لمركز عالمي آخر، لأنه ببساطة غير موجود، نعم ليس هنالك قوة إمبريالية مركزية مؤهلة لقيادة الرأسمالية العالمية.. لذلك ليست الإمبريالية الأمريكية التي تغيب شمسها في ورطة وحسب، وإنما كل المنظومة الرأسمالية العالمية..
ـ لذلك في ظل تراجع نفوذ ودور وموارد الإمبريالية الأمريكية، يتزايد موضوعياً دور كل القوى الإقليمية في كل أنحاء المعمورة، لأن الفراغ المتزايد الذي يسببه تراجع النفوذ الأمريكي التدريجي يدفع إلى الساحة كل القوى الإقليمية التي تملك مؤهلات تعبئة الفراغات المستجدة.
وانطلاقاً من هذا الفهم تحديداً لواقع الخارطة العالمية، وآخذين بعين الاعتبار أهمية منطقتنا استراتيجياً بالنسبة للسيطرة العالمية، أهميتها من حيث الموقع الجغرافي- السياسي، وكذلك من حيث الثروات، تحاول الإمبريالية الأمريكية إضعاف، وحتى تفتيت كل القوى الإقليمية المرشحة للعب دور ما مستقبلاً في المنطقة، من خلال ضربات استباقية تمنع ملء الفراغ من أي كان، ولا يستثنى من ذلك لا الحليف ولا الصديق السابق، فكيف بالخصم والعدو؟ من هنا يمكن فهم ما يجري التحضير له على طول قوس التوتر من باكستان إلى إيران إلى السعودية إلى مصر وتركيا.. وهكذا يتبين أنه حتى الحليف السابق والحالي للولايات المتحدة لا يشفع له دوره السابق أمام الأخطار الكبرى المحدقة بالدور العالمي الأمريكي..
إن الإمبريالية الأمريكية تحاول اليوم أن تفرّغ كل من هو مرشّح موضوعياً لملء فراغها..
ـ من هنا يمكن أن نستنتج ببساطة، أن كل من يقاوم، ويواجه هذا المخطط بوضوح وشجاعة على كل المستويات الوطنية العامة، والاقتصادية- الاجتماعية والديمقراطية، سيصاب بأقل الأضرار منه، وأن كل من يمالئ، ويداري، وحتى يناور للهروب منه، سيصاب بأكبر الأضرار..
إن خريطة جديدة ترتسم معالمها اليوم، وهي تخلق تحديات كبيرة، ولكن بآن واحد، تخلق فرصاً كبيرة لمن يعرف اتجاه سير رياح التاريخ..
ومن لن يعرف أن يستفيد من هذه الفرص عبر المقاومة والمواجهة، فستطحنه التحديات، والعكس صحيح، فمن سيقاوم أكثر ويواجه بشجاعة أكبر، ستكون خسائره أقل، والنصر الأكيد سيكون إلى جانبه..
في نهاية القرن العشرين قال سعد الله ونوس: نحن محكومون بالأمل، وما يجري ليس نهاية التاريخ..
واليوم يمكن أن نقول: إن ما يجري اليوم هو بداية التاريخ، ونحن محكومون بالنصر.. لأن الإمبريالية الأمريكية والصهيونية تضعانا أمام خيارين؛ الهلاك أو النصر.. فأيهما نختار؟!