الدفاع عن الحضارة البشرية
عامر الحسن عامر الحسن

الدفاع عن الحضارة البشرية

لا خلاف على أن تصاعد الدور الروسي، يأتي بالدرجة الأولى في سياق الدفاع عن المصالح الوطنية الروسية، ولكن هذه الحقيقة تبقى مبتسرة، ما لم تستكمل بحقيقة أخرى مكملة لها، وهي أن هذه المصالح تتطابق مع التطور التاريخي الموضوعي للمجتمع البشري، فالدور الذي تلعبه روسيا ضد الإرهاب، كأداة للفاشية الجديدة، يضعها موضوعياً، في موقف الدفاع عن الحضارة البشرية، بحكم أن هذه الفاشية هي الاسم الحركي لانحطاط، وتفسخ المركز الرأسمالي الغربي، الذي طبع العالم بطابعه، كسلطة ما فوق قومية عابرة لحدود الدول والكيانات السياسية.

 

- إن تنمية القدرات العسكرية، وانخراط روسيا في الحروب، هو رد فعل طبيعي على قوى الحرب، التي اشتغلت على عامل الزمن، والمناورات الدبلوماسية، والاختراقات الاستخباراتية، في تعميم الفوضى، واستدامة الاستنزاف في بقاع عديدة من العالم، والامتناع عن إيجاد الحلول الحقيقية، نحن هنا أمام نوعين من العسكرة، عسكرة عادلة دفاعية، وعسكرة هي أداة سيطرة ونهب،  ناهيك أن تصاعد الدور العسكري الروسي يترافق مع نشاط سياسي ودبلوماسي ملموس، لفرض الحلول السياسية، أي أن «العسكرة» روسياً، إذا صح التعبير، هي أداة لابد منها لفرض حلول سياسية متوازنة. 

- إن تنامي الدور الروسي، سيؤدي بالضرورة إلى تنامي دور التيارات العقلانية في المركز الرأسمالي الغربي، وعزل التيارات الفاشية، ويشكل خطوة لابد منها، نحو جبهة عالمية من أجل السلام، تعبر عن مصالح المجتمع البشري، وحقه في البقاء.

- لما كانت الحرب معادلاً موضوعياً للرأسمالية في ظل الأزمة العظمى التي تعصف بالعالم الرأسمالي، ومخرجاً افتراضياً وحيداً لها، فإن الدور الروسي في لجم قوى الحرب، وإطفاء الحرائق، يزعزع أركان المنظومة كاملة، وينزع من يدها، أهم أدواتها – الحرب-  في الخروج من الأزمة، وهي بهذا المعنى تلعب دوراً تقدمياً في التاريخ وتفتح الآفاق، نحو واقع جديد في العلاقات الدولية، نحو نظام اقتصادي اجتماعي جديد. 

- إن روسيا تمتلك المقومات الاقتصادية، والعسكرية والسياسية، والثقافية، كلها التي تؤهلها للعب هذا الدور التاريخي، فهي من جهة خزان الثروات الطبيعية، ومن جهة أخرى تمتلك مستوى متقدماً في التكنولوجيا العسكرية، وإرثاً ثقافياً قائماً على التفاعل مع الحضارات الأخرى، والتكامل معها، مما يؤهلها أن تكون مركز استقطاب القوى الحية كلها في المجتمع البشري.

- إن  النظر إلى الدور الروسي في الأزمة السورية، خارج هذا السياق الكلي التاريخي، يمنع تكوين فكرة صحيحة عن طبيعة الصراع الدائر في عالم اليوم، ويؤدي إلى مقاربات خاطئة، تعرقل الاستفادة من هذا الدور لصالح قضية الشعب السوري، في الحفاظ  على وحدة الدولة السورية، وحق الشعب السوري في التغيير الجذري الشامل.