الافتتاحية: قافلة الحرية (2)

تستمر الاستعدادات لتسيير قافلة الحرية الثانية، وفي هذا وعي وإدراك عميقان للنتائج التاريخية التي حققتها القافلة الأولى.. فالمعركة ضد الكيان الصهيوني ومن يدعمه، انتقلت عملياً إلى الشارع الذي جاء هذه المرة بحراً، وأي شارع؟ إنه شارع القوى الجماهيرية العالمية المناهضة للإمبريالية والصهيونية، والتي تبتدع وسائل جديدة وجديدة في المواجهة الجارية... وفي كل مكان.

وهذا يؤكد أن مركز الثقل في الصراع العالمي والإقليمي ضد العدوان، ينتقل إلى حيث الجماهير ومبادراتها، وهذه حقيقة الأمر منذ بداية القرن الحالي الذي فاجأ قوى العدوان العالمي بمقاومة شرسة متصاعدة ومنتصرة.. وأذهلها وأسقط بيدها يوماً بعد يوم.

لقد حقق الحراك والمبادرات الشعبية، غير الرسمية، وأشكال المقاومة التي تبتدعها، ما لم تستطع أنظمة ودول أن تحققه خلال العشرات من السنين.. وفي هذا تأكيد على طبيعة عصرنا من جديد، حيث الكلمة الفصل النهائية ستكون للشارع، للجماهير ومبادراتها..

وما دام العدو في حالة ارتباك وتراجع بعد قافلة الحرية الأولى التي لعبت دوراً عالمياً بتأثيرها وتداعياتها، لا يقل عن حرب تموز 2006، لأنها استمرار نوعي لها، ولكن بوسائل أخرى وعلى نطاق أوسع، فما العمل؟

الواضح تماماً أنه يجب استمرار الهجوم وتصعيده وإشراك قوى أوسع فأوسع فيه.

لقد استطاع الشارع العربي وغير العربي، في ظل محدودية وسائله والقيود المفروضة عليه، أن يخترع الوسائل الكفيلة بفك حصاره لفك الحصار عن غزة البطلة، وأثبتت تجربته نجاحها.

إن الإمبريالية العالمية وخاصة الأمريكية والصهيونية العالمية تعي تماماً خطورة هذا الفعل الشعبي العالمي، وهم بمنعهم القافلة الأولى بالوسائل التي استخدمت، إنما كانوا يؤخرون إعلان هزيمتهم.. فماذا يعني أن يصرّح رئيس وزراء العدو الصهيوني بأن «فك حصار غزة يعني تغيير ميزان القوى في المنطقة»؟!.. وهو تصريح يجب أن يؤخذ على محمل الجد، وهو يفسر بحد ذاته، السلوك الهمجي الذي استخدم ضد قافلة الحرية الأولى..

ماذا يمكن أن نستنتج من هذا التصريح؟

ـ أولاً، أن عدة بواخر مدنية غير مسلحة محملة بمساعدات إنسانية، أصبحت قادرةً على فك حصار غزة المضروب من قوة عسكرية كبرى في المنطقة.

ـ ثانياً، أن فك حصار غزة التي لا تتجاوز مساحتها 400 كم² قادر على تغيير ميزان القوى في المنطقة، وأية منطقة؟ المقصود المنطقة الممتدة من قزوين إلى المتوسط، ولنا أن نتصور أن عدة بواخر مدنية، وغزة الصغيرة الكبيرة، تغيران ميزان قوى عامّاً في المنطقة.. لماذا؟ لأن ذلك يعني انتقال قوى المقاومة من الدفاع إلى الهجوم، وبالتالي اقتراب إعلان هزيمة التحالف الإمبريالي- الصهيوني في المنطقة، لأن الهزيمة قد بدأت وبقي أن تصل بتطورها إلى تلك النقطة التي تصبح فيها لا رجعة عنها، وبالتالي يصبح الإعلان عنها تحصيل حاصل..

وهنا يجب أن يقال: إن كل القوى السياسية في المنطقة، وخاصةً التي تعتبر نفسها يسارية أو شيوعية، يجب أن تخرج بالاستنتاجات الضرورية مما يجري كي تدقق وتطور سلوكها وفعلها.

فقوى كثيرة قد تأخرت.. وقوافل الحرية ستسير قافلةً بعد الأخرى حتى النصر الأخير.. فهل يمكن اللحاق بالركب السائر إلى الأمام؟ على أساس القدرة على حل هذه المهمة الملموسة سيتحدد على أرض الواقع من هو الوطني الحقيقي، ومن هو اليساري الحقيقي، ومن هو الشيوعي الحقيقي، ومن هو الوطني اسمياً، واليساري اسمياً، والشيوعي اسمياً.. ولدى الجماهير كل الحق أن تقيم أية قوة أو تيار على أساس أفعاله وليس فقط أقواله.

فالوقت الآن ليس زمن المناظرات والمطارحات الفكرية لإثبات من وما هو اليسار؟ إنه نقاش حول جنس الملائكة في زمن الفعل والإقدام.. اليساري والشيوعي الحقيقي لديه فرصة تاريخية ليعيد الاعتبار لنفسه ولحركته أمام الجماهير بخطوة عملية واحدة متوافقة مع الاتجاه العام لقوافل الحرية، وفي ذلك سيلعب الدور المطلوب منه في حماية كرامة الوطن والمواطن.