الموضوعات.. جرأة في الطرح والاكتشاف
إن أية قراءة متأنية للموضوعات سيجد القائم بها نفسه أمام رؤية تكاد تقارب الكمال فيما ذهبت إليه، من قراءة ماركسية لينينية للواقع وتفسيره من أجل تغييره، إلى الاجتهاد بالعلم الماركسي ـ اللينيني، إلى صياغة المهام بجرأة وشجاعة، وهو ما تميزت به اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين منذ تشكلها.
إن الموضوعات في تحليلها للظواهر تنطلق من العام إلى الخاص إلى الذاتي، من خلال ديالكتيك العلاقة بينهما دون الغوص بالتفاصيل المملة. ففي مطلع الموضوعات يتم الإقرار بأنه لا يوجد حزب شيوعي بالمعنى الوظيفي التاريخي، وهذه شجاعة كبيرة، ولكن في الوقت نفسه تقول بأن المهمة الرئيسية للشيوعيين هي إعادة بناء حزب شيوعي قادر على لعب دوره الوظيفي التاريخي. وهذا تفسير صحيح للواقع ومطلوب العمل من أجل تغييره، وعلى هذا الأساس يتجلى مفهوم اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، فالمطلوب حزب شيوعي يؤدي دوره الوظيفي التاريخي انطلاقاً من تفسير الواقع، ثم العمل على تغييره لمصلحة الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم.
هناك مسألة أخرى طُرحت في الموضوعات، حيث أعادت للماركسية ـ اللينينية جوهرها، وهي تتناول الماركسية كعلم يتطور كما تتطور العلوم الأخرى، وهذا ما ورد في البند /2/ و/3/ «من أن الماركسية ـ اللينينية تتطور ويتصلب عودها في النضال ضد الميلين اللذين يعيقان تطورها وهما العدمية والنصوصية»، إلى حض كل الشيوعيين على أن يكون من مهامهم الرئيسية والدائمة «اكتشاف وصياغة الثابت والمتغير في النظرية التي يفرضها تطور الحياة المستمرة بكل تعقيداتها وجوانبها الجديدة». وبهذا تكون الموضوعات قد فندت ادعاءات كل من النصوصين والعدميين، وبينت بشكل واضح عدم قدرتهم على قراءة الواقع بشكل ماركسي ـ لينيني، وبالتالي عدم قدرتهم على صياغة مهام أمام الشيوعيين، مما أدى لاحقاً إلى انفضاض الجماهير عنهم ومن حولهم.
وللتذكير هنا فإن ماركس عندما صاغ رؤيته النظرية كانت هناك اكتشافات عملية كبيرة، من أهمها نظرية داروين في التطور، كما أن لينين عندما أضاف اكتشافاته للماركسية كانت هناك اكتشافات علمية في مجال العلوم الطبيعية، من أهمها اكتشافات مندييف في الكيمياء، وكذلك اكتشاف الصبغيات كحوامل للمادة الوراثية، وقوانين مندل في الوراثة.
والآن في عصرنا الحاضر عصر المكتشفات العلمية الهائلة، وبخاصة علم الهندسة الوراثية، ألا يجب أن يدعو هذا الشيوعيين للبحث والاكتشاف كما ورد في البند /3/ لمعرفة الثابت والمتغير في الماركسية ـ اللينينية التي «كانت دائماً نظرية للتغيير الثوري للمجتمع»، أم المطلوب كما يريد البعض، الاستكانة لهذا الواقع وإسقاط راية التغيير من أيدينا.؟!
من ناحية أخرى فإن النظرية في البدء تكون مجموعة افتراضات، ثم يأتي الواقع أو التطبيق فإما أنه يثبت تلك الافتراضات، وبالتالي تصبح نظرية، أو ينفيها. والسؤال هل نفى الواقع والتطبيق قوانين ماركس فيما يخص بنية النظام الرأسمالي؟! ومن زاوية أخرى أية نظرية تعالج موضوعة ما، تنتفي بانتفاء تلك الموضوعة فإذا كانت الماركسية تعالج موضوعة الرأسمالية فهل انتفت الرأسمالية كنظام؟؟!!
وفيما يخص الأزمة الرأسمالية وطريقة تناولها في الموضوعات، وكذلك انهيار التجارب الاشتراكية، فهي تدل على عمق الرؤية ودقة في التحليل، فانهيار التجارب الاشتراكية تعزوه الموضوعات بشكل رئيسي «إلى عجز الشيوعيين في اللحظة المستجدة آنذاك عن تطوير النظرية بالشكل المطلوب» والملموس، لا كما يذهب البعض من قادة أحزاب شيوعية ليوهمنا بنظرية المؤامرة الكبرى أو بسبب المساعدات التي كانت تقدمها تلك البلدان الاشتراكية لدول العالم الثالث، أو غير ذلك من أسباب لا يرتقي أيٍ منها بأي حال من الأحوال إلى حجم الانهيار الذي حصل، ووقوف شعوب تلك البلدان متفرجين أمام ما يحصل لبلدانهم.
ـ أما أزمة الرأسمالية الحالية وحدها الموضوعات قالت عنها بأنها أزمة عامة وشاملة وعميقة وليست مؤقتة أو عابرة، فهي أزمة متعلقة ببنية النظام الرأسمالي نفسه المنتج دائماً للأزمات، بينما البعض من مدعي الشيوعية سماها أزمة دورية عادية، ولم يميزها بشيء، والبعض الآخر أطلق عليها بأنها أزمة مصارف أو أزمة ثقة بين مدراء المؤسسات المالية، أو غياب الشفافية في التعاملات المالية، حيث الهدف أو النتيجة من كل ذلك، إبعاد الوعي الاجتماعي عن الجوهر الحقيقي للأزمة.
بينما وضحت الموضوعات بشكل علمي ودقيق لمَ هذه الأزمة عامة وشاملة وعميقة، وليست عابرة ومؤقتة، إضافة إلى أنها «قد تتحول إلى أزمة نهائية إذا توفر العامل الذاتي للتعامل معها مع الظروف الموضوعية التي تنضج باتجاه انهيارها»، كما وضحت الموضوعات بماذا تختلف هذه الأزمة عن سابقاتها، ولماذا لن تجدي اليوم الطرق السابقة التي اعتمدتها الرأسمالية للخروج من أزماتها السابقة، وهذا اكتشاف علمي على أساس ماركسي ـ لينيني يسجل للموضوعات في البند /6/ ص5، وتفرعاته من /آ/ إلى /هـ/ يظهر بشكل جلي وواضح تلك المكتشفات الرائعة والقراءة الجيدة الصحيحة للموضوعات فيما يخص الأزمة الرأسمالية المعاصرة.
أنور أبو حامضة