تحضيرات جولة «جنيف3» الأخيرة..!
تعلو أصوات عديدة منذ انتهاء الجولة الماضية من جنيف3، وما رافقها وتبعها من هجوم على الهدنة من أطراف متعددة، لتقول بأن الوزن الأساسي انتقل مجدداً إلى الميدان العسكري، والذي على أساس نتائجه سيجري تكييف الحل السياسي من ناحية الشكل والمضامين والآجال الزمنية.
بمقابل ذلك، فإنّ قراءة هادئة لمستجدات الحل السياسي من جهة، وخاصة ما نتج عن جولة جنيف3 الأخيرة من مقترحات عملية تضع المسألة على سكة الحل الحقيقي، وكذلك قراءة خارطة المعارك الميدانية وتحركاتها من جهة أخرى، بالإضافة إلى المواقف الإقليمية المختلفة، يسمح بفهم الأمور بطريقة مختلفة.
أولاً: إن مختلف محاولات تأجيل الإجهاز على داعش، وتأخير التوجه صوب المناطق التي تسيطر عليها- وهي المحاولات التي تقودها واشنطن وتشترك فيها أطراف شتى- بدأت تستنفد نفسها بشكل متسارع، وباتت الأطراف جميعها، المقتنعة بضرورة إنهاء داعش سريعاً وغير المقتنعة، مضطرة إلى محاباة الاتجاه الروسي هذا، قولاً وفعلاً.
ثانياً: محاولات تعطيل الهدنة من جانب الأطراف المتشددة المختلفة، بتركيزها على فعل كل ما يمكن فعله لتأخير عملية فرز المسلحين، خاصة في محافظة حلب، والمترافقة مع محاولات حماية «النصرة» أمريكياً من الاستهداف الروسي، باتت بمعظمها وراءنا، فخط السير العسكري هو باتجاه ضرب داعش والنصرة وزيادة الضغط على المتحالفين معهما إلى حدوده القصوى، بما يسمح ضمناً بتثبيت الهدنة وتعميقها.
ثالثاً: إيصال المساعدات الإنسانية يتقدم بشكل مستمر، منحّياً القضية الإنسانية أكثر فأكثر من إطار السجال والتفاوض والابتزاز المتبادل بين المتشددين.
إنّ النقاط السابقة تسمح باستنتاج أن ما يجري في الميدان وفي غيره، لا يخرج بتفاصيله وملامحه الكبرى الأساسية عن إطار الحل السياسي متمثلاً بالقرار 2254 وبيان جنيف1 واتفاقات ميونخ وفيينا، وأكثر من ذلك فإنه لا يخرج أيضاً عمّا تمّ التوصل إليه من نتائج في جولة جنيف3 الماضية، وإنما يدخل في صلب تحويلها إلى وقائع، على اعتبار أن «جنيف» في نهاية المطاف هو مسار وعملية متداخلة لا ترتبط بالجلوس إلى الطاولة فحسب..!
أي أنّ ما جرى منذ نهاية الجولة الماضية وحتى الآن، وصولاً إلى التحضيرات اللوجستية الجارية حالياً للجولة القادمة والأخيرة، يصب مباشرة في عملية تطويع وتقليم أظافر الدول الإقليمية المعادية للحل السياسي والمعرقلة له، على السواء، بما يعنيه من لجم ممثليهم «السوريين».
إنّ المسؤول الأساسي عن محاولات تعطيل الحل السياسي التي ستفشل بلا شك، لا يزال متمثلاً في التيار الفاشي ضمن الولايات المتحدة، إضافة إلى دول إقليمية وأطراف داخلية متشددة ترحب بعمليات التعطيل وتحاول الاستثمار فيها، لأن من الواضح بالنسبة لها جميعها أن الحل السياسي لن يأتي مفصلاً على مقاس كل منها، على اعتبار أن تجسيد ميزان القوى الدولي الجديد يتطلب موضوعياً وجود سورية دولة واحدة موحدة مستقرة ينخفض فيها الأثر السلبي للاعبين الإقليميين إلى معدلات صفرية.
ومن ناحية ثانية، فإن أي حديث عن استقرار فعلي يرتبط في نهاية المطاف بإحداث التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وهذا بالضبط ما تقف سورية وشعبها الآن على عتبات الانطلاق نحوه.