الجولة الثانية من معركة الحل السياسي!
استمر أنصار معسكر الحرب في الأزمة السورية، منذ جنيف1 باصطفافاتهم المتعددة، ومواقعهم المختلفة، من حيث التموضع السياسي، والجغرافي في إنكار إمكانية الحل السياسي، ورفضه..
وتوفرت لدى كل طرف ما يكفي من الذرائع، والحجج ليناور، ويتهرب من هذا الاستحقاق، وذلك في سياق عملية تخادم قلّ ما نجد لها مثيلاً في الصراعات، حيث لم يبخل كل طرف على الآخر بتقديم المبررات، بما يكفي كي يرفع الطرف النقيض عقيرته إلى السماء، ويقول: بأن لا حل مع خصمه إلا الحرب، ولا شيء غير الحرب، إلى أن فرضت الضرورة التاريخية نفسها، وأقرّ الجميع بالحل السياسي، ليخسر هذا المعسكر الموزع بين طرفي الصراع الجولة الأولى في المعركة، ويتثبت الحل السياسي كخيار وحيد للأزمة السورية، بموجب قرارات دولية، تتقاطع مع رغبة أغلبية السوريين، ويذهب الجميع إلى التفاوض، ولو على مضض.
الجولة الثانية
التقدم الذي حصل لصالح أنصار الحل السياسي، اصطدم مباشرة بمناورات أنصار الحرب، التي بدأت بالشغب ضمن دائرة الحل، وليبدأ اتهام كل طرف للآخر، بأن الخصم هو الذي يعرقل الحل السياسي، إذاً الإحداثيات اختلفت هنا، وبات كل طرف يتحدث من موقع مصداقيته في الحل السياسي، وليس من موقع زعمه وأوهامه بإمكانية الانتصار العسكري، وبات مطلوباً إثبات أن الطرف الآخر هو الذي يخرق الهدن، ولا يلتزم بالقرارات الدولية، وما إلى ذلك من البروباغندا اللازمة لشيطنة الطرف الآخر، والدفاع عن النفس وذلك كمحاولات جديدة للتسويف والتماطل، والبحث عن فرص تعيد الأوضاع إلى المربع الأول، أو للتحكم بمسار الحل السياسي نفسه، وتفصيله على مقاس مصالحهم.
يتناسى هؤلاء أن هذه المحاولات اليائسة بإجهاض الحل السياسي و الالتفاف عليه، وتفريغه من محتواه، تجري في ظرف آخر، ظرف توفرت فيه الكثير من البنى اللازمة لتقدم المسار السياسي، حيث هناك قرار دولي مُشرّع من مجلس الأمن، وهناك تمثيل حقيقي أوسع للمعارضة الوطنية، ويزداد الوزن الدولي لمعسكر الحل السياسي، وميدانياً يتراجع وزن الفزاعة الداعشية، ولم تعد تصلح للاستثمار كما كانت في السابق، بمعنى آخر أن هوامش المناورة ضيقة جداً ضمن مسار الحل، الأمر الذي يحتم تراجعاً مستمراً لخياراتهم السابقة التي وصلت إلى حائط مسدود.
لا يستطيع أحد أن ينكر، بوجود أكثر من إبليس على طاولة الحل السياسي، وهؤلاء بالتأكيد لا يعدمون الحيلة، في اللعب على حبال التناقضات التي تكتنف الأزمة السورية، ولديهم ما يكفي من الأدوات التي تمكنهم من التشويش على الرأي العام، وخلط الأوراق، ولكنها بالأحوال كلها هي أوراق على طاولة الحل، ناهيك عن أن هناك على الطاولة، من لا يعدم الحيلة بإعادة ترتيبها، وفرزها، وكما خسر معسكر الحرب في الجولة الأولى من معركة الحل السياسي، عندما عجزوا عن منع انطلاقه، فإنهم سيخسرون في الجولة الثانية أيضاً بمحاولات إيقافه، أو تشويهه.