ستيركوه ميقري ستيركوه ميقري

ملاحظات أولية على مشروع قانون الانتخابات الجديد

في إطار المناقشات الجارية الآن حول مشروع قانون الانتخابات الجديد المطروح للنقاش حالياً، لا بد من الإشارة إلى  إن هذا القانون مطابق للقانون القديم ولا يختلف عنه إلا بنقطة واحدة فقط لا تأثير جدياً لها على محتوى القانون السابق وإنما على آلية تنفيذه، حين نص بوضوح على نقل الإشراف للعملية الانتخابية من السلطة التنفيذية إلى السلطة القضائية، هذا هو أهم ما جاء في مشروع القانون الجديد، وهو أمر إيجابي إن توفرت الإرادة الحقيقية للسلطة التنفيذية في تحقيق هذا الإشراف، كما هو معمول به في أغلب دول العالم، أضف إلى ذلك أن القانون الجديد قسم محافظة حلب إلى دائرتين مدينة وريف، وبالتالي فإن القانون الجديد أعاد إلينا كل مساوئ القانون القديم، وللأسف بلباس مهترئ وبمحتوى واحد لكلا القانونين القديم والجديد، علما أن الحديث كان يجري من  المكلفين بإعداد مشروع القانون الجديد بأنه سيؤخذ بعين الاعتبار أفضل القوانين العالمية لاعتمادها في صياغة القانون الجديد.

مبدأ التصويت الفردي «الأكثري» وسلبياته

يحق للبعض أن يتساءل عن مساوئ القانون القديم ولماذا يجري الإصرار لتغييره بقانون انتخاب عصري، على الرغم من أنه كان القانون المعتمد لكل الانتخابات السابقة منذ الاستقلال وحتى الآن.

للإجابة على هذا التساؤل نبين، أن القانون السابق قام على أساس تقسيم سورية إلى دوائر انتخابية بعدد المحافظات، وتجري الانتخابات على أساس فردي يفوز فيها من يحصل على أكثر الأصوات فالأقل أصواتاً من الأول وهكذا حتى المرشح  الذي يكمل العدد المحدد من المرشحين في كل محافظة، بمعنى أن القانون الجديد حافظ على مبدأ «الأكثرية » فيفوز المرشحون الذين نالوا أصواتاً أكثر من غيرهم، ويرتبون حسب الأصوات التي نالوها، أي إنه لا يعتمد على ضرورة تقديم البرنامج السياسي في الانتخابات بل على الاختيار الشخصاني، عبر تحالفات انتخابية قسرية بين أطرافٍ لا تجمعهم سوى الرغبة المشتركة بالفوز في الانتخابات.

إن أي إصلاح ينظم الحياة السياسية ويسمح بتطور الحركة السياسية مع ضرورة إدماج الجماهير كي تشارك بدورها في هذه العملية الوطنية والتي ستسمح بتعزيز الوحدة الوطنية، لا بد له أن يستدرك أخطاء الماضي ويتجاوزها لبناء المستقبل، وعليه من أجل تحقيق هذا الهدف السامي أن يقوم بعملية تقويم شامل للماضي وتلافي الأخطاء المرتكبة، وخصوصا في إطار الانتخابات إلى مجلس الشعب والتي شابها العديد من الشوائب من أهمها:

1- صحيح أن هنالك قوائم للمرشحين يخوضون الانتخابات على أساسها «قائمة الجبهة الوطنية التقدمية» وقائمة «المستقلون» المتممة للعدد المحدد لكل محافظة، ولكن بسبب أن غالبية الأحزاب لا تعرف واقعها ولا مشاكله ولا مزاج ومطالب جمهورها الحقيقية، مما أدى ويؤدي إلى حدوث انفصام  بين برامجها المعلنة وبين ما تطلبه الجماهير منها، وهي في النهاية تعبر عن آراء فردية شخصية لكل مرشح.

2- حدوث هوة بين النظرية والتطبيق أو مابين القول والفعل أو قل بين السياسات المطروحة والممارسات العملية لها، وهذا أفقد الجمهور الثقة بالحركة السياسية عموما وأدى إلى ابتعاده عنها وعزوفه عن المشاركة الحقيقية في العملية الانتخابية .

3- أفقد هذا الشكل المنافسة الحقيقية الصحية والشريفة بين الأحزاب لاجتذاب الجمهور، من خلال بذل الجهد لتمثيله بشكل أفضل وتحقيق مطالبه على أرض الواقع، ولو تطلب الأمر خوض النضالات في مواجهة الإجراءات والقرارات التي تضره، فالكلام يبقى كلاما بالنسبة للناس والمعيار بالنسبة لهم هو الفعل على الأرض الذي يصبح على الأقل هو المقياس الوحيد للجدية في التوجهات وأساليب النضال من أجل تحقيقها.

4- إن تمتع قيادات الأحزاب على مستوياتها المختلفة بالامتيازات نفسها التي يتمتع بها جهاز الدولة، جعل الجماهير تماهي بينها وبين جهاز الدولة الذي بحكم التراكمات التاريخية ليس محط ثقة كبيرة لديها، فعوضا من أن تكون الأحزاب ممثلة للمجتمع والجماهير أمام جهاز الدولة تحولت بالتدريج إلى محام لجهاز الدولة مبررة لسلوكه في السراء والضراء، بل إن ممثلي الحزب في مؤسسات الدولة بدلا من أن يكونوا ممثلي الحزب فيها أصبحوا ممثلي هذه المؤسسات داخل الحزب.

5- إن جوهر الحياة السياسية يكمن في نهاية المطاف في قدرة الناس على اختيار ممثليهم عبر الهيئات التشريعية للتعبير عن مصالحهم، والمشكلة أن قانون الانتخابات المعمول به والمشروع الجديد للقانون أكل عليها الدهر وشرب تمنع فعلياً تطور الحركة السياسية حتى لو صدر قانون للأحزاب، مما يتطلب إصلاحاً جذرياً لها إذا وجدت الإرادة فعلاً لإصلاح الحركة السياسية في سورية.

6- هناك مشكلة أخرى تتمثل في أن أحزاب الجبهة وبسبب انتقاء ممثليها إلى الهيئات التشريعية لم تعد بحاجة إلى بذل أي جهد يذكر للوصول إلى المواقع التي تحتلها بحكم قانون العطالة، لذلك انخفضت لياقتها بالتدريج لتصل إلى مرحلة أصبحت فيها غير قادرة على الحركة وتحولت إلى عبء على نفسها وعلى غيرها.

مبدأ النسبية ومزاياه

ولكن ما هو الحل إذاً: اعتماداً على ما ذكر أعلاه؟ إنه دون أدنى شك اعتماد مبدأ النسبية في نجاح المرشحين للمجلس، وتكون حينئذ سورية دائرة انتخابية واحدة ، إنه الخيار الوحيد الذي يؤمِّن المشاركة الصحيحة والصحية في العملية الانتخابية، ويكفل عدالة التمثيل حيث يقدم كل حزب قائمة بمرشحيه، ويقوم الناخب بانتخاب القائمة بأكملها دون أن يكون له الحق في تعديل الأشخاص الموجودين بالقائمة، وعلى هذا يقوم الناخب بانتخاب مجموعة من الأفكار والسياسات أي يقوم بانتخاب برنامج انتخابي بغض النظر عن الأشخاص، مما يجعل الصراع الانتخابي بين الأحزاب صراع أفكار سياسية و برامج انتخابية، لا صراع أشخاص.

وفي النهاية يتم عدّ الأصوات التي حصل عليها كل حزب و تحسب له بنسبة مئوية يشارك بها بنواب عن الدائرة وله مزايا كثيرة من أهمها:

أولاً: إن مبدأ النسبية سيبين الحجم الحقيقي للأحزاب والقوى السياسية في سورية، ولن يجعل حزباً عدد قيادته أكثر من عدد قواعده، يجعجع ويتباهى بجماهيرية وهمية لا تعبر عن حقيقته وهزالته،  حتى ولو حاز على أكثر  أجهزة الإعلام تقدماً مما يجعل  المواطنين ــ الذين هم الناخبون ــ يصوتون للأحزاب والبرامج والأفكار وليس للأشخاص.

ثانياً:  هو السبيل الأمثل كي تتكتل القوى والأحزاب المتشابهة في الأفكار والتوجهات تحت قائمة واحدة تتيح لها تجميع أكبر عدد من الأصوات .

ثالثاً: يتميز هذا المبدأ بإعطاء كل الأقليات الحق في أن يمثلهم واحد منهم، فإن نالت إحدى القوائم رضا وتصويت 10% من أصوات الناخبين مقابل من نال 90% من الأصوات فإن من نال 10% يبقى ممثلا بنسبة ما ناله من الأصوات على الأقل ولا تذهب هذه الأصوات هدراً. 

رابعاً: إن هذا المبدأ يسمح ببروز قوى وائتلافات سياسية كبرى بدلاً من الأحزاب التقليدية، والتي شلت حركتها بنفسها أو بالرغم منها ، لأنه عندما يتعود الناس على التصويت للأحزاب وليس للأفراد، سنبدأ وقتها كمواطنين في التعامل مع المسألة الحزبية بجدية، وليس باعتبارها عديمة الجدوى أو رجسا من عمل الشيطان ينبغي تجنبه بكل السبل.

خامساً: حتى نتحول إلى دولة برلمانية حقيقية مثل أي بلد متقدم، وبعد إصدار قانون الأحزاب فإن اعتماد مبدأ النسبية  يساعدنا في القضاء على جذور الاستبداد في العقل السياسي السوري، لأنه سيعطى الأغلبية دائما للحزب وللفكرة وليس للأشخاص.

سادساً:  إنه يشكل أفضل طريقة كي تأتلف كل قوى الثورة والأحزاب اليسارية التقدمية في قائمة واحدة، يسهل الترويج لها ضد أية قوى رجعية متخلفة، كما أنها ستضمن عزل التيارات المتطرفة التي تدعو إلى العنف في بسط أفكارها وفرضها على المجتمع السوري ،ويحد من الاحتكاكات التي قد تحدث بين المرشحين وجماهيرهم من جهة وبين الآخرين من جهة أخرى، وحتى لو وجدت خلافات بين هذا الحزب أو ذاك فإن الخلافات الحزبية أقل حدة بكثير.

سابعاً:  يضمن تمثيلا للمرأة، بديلا للفرض والجبر المتمثل في «الكوتة»، لأنه يمكننا من  وضع المرشحات المتميزات في مكان متقدم في القائمة مما يضمن نجاحهن حتماً.

ثامناً: إن مبدأ النسبية يحد كثيراً مما هو جارٍ في الانتخابات على أساس فردي، ونعني بها الرشوة وشراء الأصوات، حيث أن التصويت يجري للبرامج والأفكار وليس للأشخاص مما يساعد جدياً في غياب هذه الظاهرة.

تاسعاً: هذا المبدأ يفتح المجال الواسع للأحزاب التي تمثلت في البرلمان ولم تشارك في الحكومة لأن تشكل معارضة حقيقية ، بحيث تستطيع أن تقوم بأعلى درجات مراقبة تنفيذ عمل الحكومة، الأمر الذي لا يفتحه مبدأ التصويت للأفراد وكان غائبا عن عمل كل الدورات التشريعية السابقة كما رأيناه على أرض الواقع.

مقترحات أخرى ضرورية

إذا أبقى المشرع السوري على مبدأ التصويت الفردي، فإننا حينئذ أمام قانون جديد قديم من حيث المحتوى، والتجديد هنا أصاب الشكل فقط، بمعنى أن المشرع أبقى على محتوى قانون وضع بعد الاستقلال ولم يقم بتغييره رغم وجود مبررات للتغيير ورغم أن الفرصة كانت سانحة لذلك، وعلى كل حال لا بد من إبداء الملاحظات الثلاث التالية والتي يجب أن يجري النص عليها في متن القانون وهي:

1- لا يجوز أن يُحدث في كل دائرة انتخابية أكثر من مئة مركز انتخابي حيث إن وجود أكثر من هذا العدد سيعطي الفرصة فقط لأجهزة الدولة وقوى المال من أجل تغطية هذه الصناديق بالوكلاء، وهذا يعني أن مرشحي الفئات الكادحة وذوي الدخل المحدود لن يتمكنوا من تغطية كل هذه الصناديق، وإن الإكثار من عدد الصناديق يعني التسهيل لقوى المال فقط بالنجاح على حساب الكادحين.

2- إن قضايا تمويل العملية الانتخابية وخصوصاً الدعاية والإطعام والمواصلات  وغيرها، يجب أن تتم عبر النظام  المصرفي حصراً، وضمن سقوف محددة، حتى تستطيع اللجنة المشرفة على العملية الانتخابية من تحديد أن هذا المرشح أو ذاك لم يتجاوز السقف المحدد له بالقانون، ولم يقم فعلا بشراء الأصوات وهذا الأمر كان يتم سابقا، لذاك يجب منع  الصرف عبر الدفع النقدي الفوري وإنما عبر شيكات مصرفية فقط.

3- في حال اعتماد مبدأ النسبية، فلا بد أيضاً من التفكير بالنسب التي يجب على كل حزب مشارك بالعملية الانتخابية أن  ينالها من حجم كتلة المصوتين حتى يستطيع أن يتمثل بالبرلمان ،وهي على سبيل المثال في روسيا نسبة 5% من الأصوات وفي تركيا 10 %، وهذه القضية يجب ألا تغيب عن ذهن المشرع لمناقشتها ووضع أفضل النسب بما يتلاءم مع الواقع الحالي للأحزاب في سورية.                                                                             

لمصلحة البلاد والجماهير

 إن إقرار قانون عصري لانتخابات مجلس الشعب بوصفه برلمان الشعب السوري، يستدعي الإقرار بمبدأ النسبية نظرا للإيجابيات التي يوفرها كما بينا، ليس لمجرى عملية الانتخابات ونتائجها وإشاعة الديمقراطية وتمكين الشعب من انتخاب ممثليه دون ضغوط ترهيبية كانت أم ترغيبية فقط، بل لأن إعادة الروح للحياة السياسية على الساحة السورية، تقتضي ذلك خصوصاً من أجل إعطاء دفعة قوية لدور سورية الممانع والمواجه للمخططات الصهيو أمريكية، اعتماداً على جماهير الشعب والتي وحدها القادرة على رفد الدور السوري بالقوة والمنعة والجبروت، بل وبكل الضرورات التي تمكن سورية من الاستمرار في الثبات على مواقفها الوطنية التي من خلالها فقط يمكن الحفاظ على كرامة الوطن وكرامة المواطن.