الافتتاحية: قنابل «دخانية» و«حقيقية» حول الحوار
تتكاثف إشارات اقتراب الحوار في سورية، وتتسارع بالتزامن معها مساعي كل طرف في الداخل والخارج السوري لوضع تصوراته وترتيباته ووسائله وأهدافه من ذاك الحوار. فبين رفع مستوى العنف والتفجيرات المترافق مع محاولات إطباق الحصار على العاصمة دمشق، وبين الضجيج المثار حول مؤتمرات ولقاءات داخلية وخارجية، يظهر إلى جانب القنابل والقذائف المميتة المنتشرة في عرض الوطن السوري وطوله، قنابل دخانية عديدة تحاول تغطية الانعطاف الاضطراري باتجاه الحوار من جهة، لتحاول من جهة أخرى تغطية شكل الحوار الذي تريده قوى التشدد في طرفي الصراع تنفيذاً للمشروع الأمريكي الصهيوني، بوعيها أو دونه، أي ذاك الشكل القائم على إعادة تحاصص سورية طائفياً بين الناهبين، ومرة أخرى على حساب المنهوبين.
في هذا السياق يأتي رمي «ائتلاف الدوحة» في 22/3/2013 لواحدة من قنابله الدخانية، فيعلن «زعله» من المجتمع الدولي، و«يحرد» مؤقتاً عن زيارة أيٍ من الأطراف الدولية، ويبرر ذلك بأن «الصمت الدولي تجاه الجرائم المرتكبة كلَّ يوم بحق شعبنا هو مشاركة في ذبحه المستمر منذ عامين»، ويعد بتشكيل «حكومة» للمناطق «المحررة» في بداية الشهر القادم ويعيد وضع شروطه التعجيزية المسبقة على الحوار. ويحاول «الائتلاف» أن يغطي بدخان قنبلته هذه عمق الخلافات الجارية داخله فيما يخص التوجه نحو الحوار بعد كل تعنته السابق بهذا الخصوص، مثلما يريد تغطية ما يبتغيه منه أي التقاسم اللاحق لإرث المكاسب والامتيازات والوظائف، على اعتبار أن الاعتكاف عن التواصل مع الأطراف الدولية إن كان حقيقة فهو بمثابة استقالة من العمل السياسي، والأمر ليس كذلك بطبيعة الحال، حتى وإن كانت وجوه الائتلاف لا تظهر الخبرة والحنكة الكافية في هذا الميدان.
من جهته يرمي المفكر «اليساري» و«العلماني» و«المناضل في سبيل حقوق الإنسان» ميشيل كيلو هو الآخر قنبلة دخانية أشد خطورة، معلناً عن نيته تشكيل ما أسماها هيئة «سوريون مسيحيون من أجل العدالة والحرية»، من باب «الانتصار للثورة» وخطب ود «الثوار»، الذين يقصد بهم هنا المسلحين وليس الشعب السوري المطالب بحقوقه!! وبغض النظر عن انقلابه من قامة «مفكر علماني» إلى مجرد شخص «طائفي صرف»، فإن كيلو يرتب لنفسه ما يعتقده «مقعداً على طاولة حوار طائفي» تحضرّه واشنطن وتبتغيه شكلاً للحوار السوري المقبل، ويتوافق مع ما يفعله جزء من الائتلاف، أي في المحصلة يتوافق مع تلك الرسمة الأمريكية للحوار التي لن تخدم الإدارة الأمريكية وهؤلاء فقط، بل وستخدم أيضاً الفاسدين الكبار الموجودين داخل النظام ممن يجدون في أنفسهم، حفاظاً على مصالحهم، استعداداً كافياً لتولي إقطاعات طائفية تشرعن اقتسام الثروة بينهم وبين بقية «الأمراء».
إن استخدام هذا النوع من «القنابل الدخانية» يشير إما إلى جهل مستخدميها بمعنى الإشارات الدولية الجديدة ودلالاتها في الميل المتشكل لميزان القوى الدولي الجديد، أو إلى علمهم بها ومحاولاتهم إحداث اختراق أمريكي في اللحظات السورية الحرجة، وهو يشير في كل الأحوال إلى أن هذه الاشارات تتقاذفهم بين ساعة وأخرى دون أن يعوا أن الاتجاه العام قد أصبح ثابتاً باتجاه الحل السياسي والحوار، ومن جهة أخرى فإن هذه القنابل نفسها تلعب دور أداة إضافية جنباً إلى جنب مع التفجيرات في الدفع نحو «تطييف» الحوار، ولكن ما سيحسم الأمور في النهاية هي الموازين الحقيقية على الأرض، ووزن هذه القوى ضعيف وهامشي واستخدامها للأدوات الطائفية لن يخلق لها وزناً حقيقياً في الواقع السوري رغم كثافة الدخان الذي تثيره بادئ الأمر، وإن حدث وحصلت على وزن ما بالأدوات الطائفية فهو وزن مؤقت وعابر..
إن ترتيبات التهام الكعكة السورية من حرامية الأطراف جميعها تتسارع وتظهر بأكثر أشكالها وقاحة يوماً بعد آخر كلما اقتربنا من الحوار، ويشتد بالتوازي مع ذلك ورداً عليه الفرز والاستقطاب العميقين على كل الجبهات بين الوطنيين وغير الوطنيين، بين المنهوبين وبين الناهبين، وصولاً للاستحقاقات السورية المؤجلة.