معارك «الحسم - الوهم»

لم يبق مما سمي معركة دمشق منذ بضعة أشهرغير ألوف القتلى وأضعافهم من الجرحى وأبنية مهدمة وطرق مقطوعة وكثير من الحواجز واشتباكات متقطعة- مستمرة، فلا انتصرت الثورة ولا انهزمت، ولا اندحرت المؤامرة ولا نجحت. بل كان أن نقل الطرفان العنف إلى ساحة جديدة هي عاصمة البلاد الاقتصادية، مدينة حلب، التي شهدت قدراً أكبر من التدمير والقتل، وذلك في إعلان آخر للحسم. فعلى الرغم من أن العنف يعود، في قسط كبير منه، إلى مستوى التدخل الخارجي التركي والخليجي والغربي، إلا أن الأطراف المحلية تتحمل المسؤولية الأكبر كونها جعلت من نفسها رهينة لمشيئة التدخلات الخارجية، سواء في المعارضة المسلحة التي لم تتعلم من أخطائها المتكررة والمتلاحقة في تصديق مزاعم القوى الإقليمية والدولية المعادية لسورية، ودفعت بسبب ذلك بكثير من الأرواح والبنى التحتية إلى محرقة «الانتصار العسكري». أو النظام الذي مازال بحجة التدخلات الخارجية يؤجل تدابير الخروج الآمن من الأزمة، وعلى رأسها الإطاحة بالفساد الكبير الذي ما انفك «ينشقّ» تدريجياً عن جهاز الدولة، ناهيك عن التقاعس في الذهاب للحوار والحل السياسي..

اليوم هناك إعلان جديد عن معركة جديدة من جانب المعارضة المسلحة في دمشق وريفها، ويأتي هذا الإعلان بعد سلسلة من التفجيرات الطائفية ومحاولات فاشلة لاقتحام العديد من المناطق في دمشق كمخيم اليرموك. واستناداً للتجارب السابقة التي جرت على الأرض تحت مسمّى «حسم»، واستناداَ للظرف السياسي العام الداخلي والدولي الذي لم يشهد أي انعطاف في أي إتجاه بعد ما سمي معارك الحسم الأولى، على الأرجح ستكون حصيلة هذه المعركة على الصعيد العسكري أعداداً كبيرة من القتلى في صفوف المسلحين، وقتلى بأعداد أقل في صفوف الجيش السوري، نظراً لتفاوت ميزان القوى العسكري بين الطرفين، وتراجع لنفوذ المسلحين على بعض المناطق التي أعادوا السيطرة عليها منذ المعركة السابقة. أما على الصعيد الاقتصادي والمدني فسيتم تدمير جزء جديد من البنية التحتية المتبقيّة، وتعطيل للحياة العامة للمواطنين على مستوى العمل والتعليم وغيره، وتدهور الخدمات العامة، وفقدان بعض السلع الأساسية وازدياد الفوضى الأمنية ومعدلات السلب والنهب. أما على المستوى السياسي والذي هو تكثيف للنتائج العسكرية والاقتصادية، فلن تخرج نتائج هذه المعركة عن سابقاتها لأنها تجري بنفس الأدوات التي أثبتت فشلها في وقت مضى، بل ستزيد من تكلفة الخروج الآمن من الأزمة، وتنعش دوامة العنف، وسيفشل الطرفان من جديد في تحقيق انتصارات على الأرض تدعم موقفيهما على طاولة الحوار، إذ أن هذا النوع من المعارك لا ينهك الطرفين فحسب بل ينهك بلاداً بأكملها، وعبر هذا الطريق لن نصل إلا إلى بلد ضعيف يتصارع فيه قطبان ضعيفان من أجل رفع راية نصر هزيلة..

يبقى خيار الحوار والحل السياسي الذي يتقدم موضوعياً على الرغم من تعنت أطراف النزاع الحل المنطقي والمعقول الوحيد للخروج الآمن من الأزمة، إذ أن العنف بعد أن قطع شوطاً ليس بقصير فقد ويفقد باستمرار جماهيره التي راهنت عليه، فلا يمكن حل الأزمة بالأدوات نفسها التي أثبتت فشلها، ولن تحل إلا عبر حلول استثنائية جديدة تشبهها..