القضية الكرديةتوصيف.. أم تفسير وتغيير؟
زهير الملا زهير الملا

القضية الكرديةتوصيف.. أم تفسير وتغيير؟

لا تختلف كثير من القوى السياسية في توصيف معاناة الشعب الكردي وحرمانه من أهم حقوقه، حقّ تقرير المصير، والظلم والاستغلال الذي يتعرض له، والحقوق الأخرى الاقتصادية الاجتماعية والثقافية وغيرها.. والتي يجمع عليها الشعب الكردي ككل.

بعد مرور مائة عام من العزلة، واتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية بتقسيم المنطقة،  وفق خرائط مبنية على سياسات الاستعمار (فرّق تَسُد) وتقسيم المنطقة بحدودٍ متداخلة مقصودة، لتفجيرها لاحقاً، وكان أكبر الخاسرين، الشعب الكردي الذي حرم من حقّ تقرير مصيره وحقوقه الأخرى، رغم تضحياته الكبيرة وتبني القوى الكردية للقضية القومية، فأين تكمن المشكلة في طرح القوى أم بنيتها.؟

التفسير..!

تكمن أولاً : في تفسير (أسباب) هذا الظلم والحرمان من الحقوق وثانياً: في فهم حق (تقرير المصير) فتفسره بعض القوى تفسيراً خاطئاً ومنقوصاً، ينعكس على الحلول والمواقف. ولا تملك أداةً قادرة على تحقيق تفسيرها، ولا تملك خطاباً وممارسةً مناسبين يوجدا لها قاعدة اجتماعية. بعض القوى القومية اعتبرت أسباب ذلك اضطهاداً من الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة، ومن شعوب القوميات الكبرى وقواها المهيمنة في أماكن تواجد الشعب الكردي فقط. 

الوثيقة ترى أنّ الجزء الأول: صحيح، لكنه لم يجر على أساسٍ طبقي لأن بنيتها الطبقية لا تختلف عن بنية الأنظمة، وربما أكثر رجعية بعشائريتها. أما الجزء الثاني: فغير دقيق حتى وإن تبنته بعض القوى، فموقفها هذا لا يعبر عن موقف الشعوب، وإنما عن مصالحها الطبقية الضيقة، وشعوب هذه القوميات تعاني الاضطهاد من الأنظمة ذاتها، ومعاناة الشعب الكردي ليست بمعزل عن معاناتها، وبالتالي: مصير الشعب الكردي وشعوب القوميات الأخرى واحد، وخاصةً في الجانب الاقتصادي الاجتماعي والديمقراطي، وعليه من الضروري مواجهة هذه الأنظمة معاً، والأهم هو الموقف المشترك من الرأسمالية العالمية التي ما زالت تنهب المنطقة وشعوبها بالتبادل اللامتكافئ.

وفيما يتعلق بمفهوم حق تقرير المصير، البعض اختزله بالانفصال وتشكيل دولة وحكم على أساسٍ قومي، يعارضه منطقٌ آخر بمصادرة هذا الحق من القوى المتعصبة وتعتبره تقسيم للدولة. إنّ هذا المفهوم من هذا وذاك قاصر، وينسجم مع أهداف سايكس بيكو، إمّا بالمحافظة على التقسيم الاستعماري، أو زيادة التقسيم إلى التفتيت، وبالتالي نشوب نزاعات على أساس الفالق القومي، ويتجاهل معاناة الشعب الكردي في مناطق تواجده ككل، والعلاقات التاريخية بين شعوب المنطقة منذ آلاف السنين، وكذلك حركة التاريخ التي تجاوزت مرحلة نشأة الدول القومية، وتغير الصراع فأصبح بين البرجوازية والطبقة العاملة..

الخطاب والممارسة.!

إنّ القوى البرجوازية التي قادت حركة التحرر، رفعت شعارات وطنية ولواء المقاومة، فلقيت دعماً جماهيرياً منحها قوةً وشعبيةً فأنجزت الاستقلال، وبسبب بنيتها الطبقية وتذبذبها لم تستكمل مهام الثورة الوطنية الديمقراطية الاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية، فهربت إلى الأمام ورفعت شعار الوحدة مستغلةً عواطف الجماهير، وتوسعت علاقاتها مع الرأسمال العالمي، على حساب مصالح الشعوب وأصبحت ممارساتها القمعية هي السائدة، وبدا التناقض واضحاً بين الخطاب والممارسة، ففقدت دعمها الجماهيري. 

هذا ينسحب على القوى القومية الكردية الآن، فهي تطرح شعارات حق تقرير المصير، بما يتناقض مع بنيتها الطبقية الاقطاعية في غالبيتها وبمواقفها وممارساتها لا تخوض صراعاً مع العدو الطبقي الرأسمالي الداخلي والخارجي، وتستغل مشاعر الشعب الكردي القومية، وتتجاهل مصالحه الاقتصادية الاجتماعية، وأهمها العدالة الاجتماعية والديمقراطية في كلمة حقّ يُراد بها باطل، لاستمرار هيمنتها، مما سيفتح على صدامات مع القوميات الأخرى وصدامٌ كردي كردي، وستكون شعوب المنطقة هي الخاسرة وأولها الشعب الكردي.

التغيير.!

إنّ الخلل في القراءة المعرفية والتاريخية، وفهم أسباب المشكلة واختزال الحقوق، وفي الخطاب والممارسة، عرقل نيل الحقوق، وهذا ما تناولته الوثيقة، وقدمت رؤية واقعية يراها البعض خيالية، وهي: اتحاد شعوب الشرق.. واقعيتها تنبع من الجيوسياسي الذي يعتبر المنطقة فضاءً واحداً جغرافياً وتاريخياً وبشرياً، رؤية تقطع الطريق على المحاولات التفتيتية، وتسمح بالخروج من تقسيمات سايكس بيكو، وتنسجم مع تغير موازين القوى الدولية المتسمة بتراجع الرأسمالية وانفتاح الأفق أمام الحركة الثورية العالمية، وتراعي مصالح الشعب الكردي ككل، ومصالح الشعوب الأخرى، وأهمها وحدة مصيرها.

وهنا تبرز أهمية اتحاد شعوب الشرق وإمكانية تحقيق ذلك، وكان ستالين محقاً حين قال: (إنّ راية التحرر سقطت من يد البرجوازية وعلى الشيوعيين التقاطها) ونحن محكومون بتحقيق الأمل والانتصار .