لويس دنغيان ترجمة: ميس ضوماط، باريس لويس دنغيان ترجمة: ميس ضوماط، باريس

إمارة قطر تشتري فرنسا للمرة الثانية !

مما لا شك فيه أن التقارب والاتحاد القوي بين الرئيس الفرنسي «الاشتراكي» وأقاربه مع الملوك السلفيين الوهابيين للخليج العربي لا يمكن إنكاره لأنه واضح جلي. فلقد أكد فرانسوا هولاند أثناء مؤتمره الصحفي يوم الثلاثاء أن فرنسا، بالأحرى حكومته، ستعترف «بالإئتلاف الوطني» الذي كان ثمرة اجتماعات الدوحة في قطر «كممثل وحيد للشعب السوري وبالتالي كحكومة مؤقتة مستقبلية لسورية الديمقراطية التي ستنهي نظام بشار الأسد».

وهكذا، أصبحت فرنسا أول بلد غربي يعترف بهذا المسخ، مباشرة بعد الممالك الخمس أو الست ذات الأصولية الإسلامية بنسب متفاوتة أكثر أو أقل في مجلس التعاون الخليجي. وكل هذا باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة. وكنتيجة لهذا الاعتراف، طرح الرئيس الأطلسي-الفرنسي من جديد مسألة تزويد هذه المعارضة الراديكالية المتطرفة بالسلاح الثقيل والمتطور، وهي مسألة ينوي طرحها قريباً على شركائه الأوروبيين.

وهكذا، تذهب فرنسا بهذه المسألة أبعد وأسرع ليس فقط من الولايات المتحدة، لا بل حتى من الجامعة العربية بذاتها: لا بأس بالنسبة لقائد «يساري» كان يطرح نفسه بشكل أساسي كمرشح مناهض لسياسة ساركوزي اليمينية!!؟

 

الحماقة  والسخافة العبثيتان

لا ينبغي الملل والتوقف عن ملاحظة ما يجري وتسجيله، إن تحليل فرانسوا هولاند وبطانته المحيطة به بخصوص سورية هو أحمق وسخيف بشكل بشع تماماً: ( نحن نحرض ونشجع على الحرب الأهلية، ومن بينها القوات ذات الألوان والأشكال المختلفة المتدرجة من الإسلام السياسي الراديكالي، باسم الحرية وأمان الشعب السوري، حتى نصل بغيريتنا لمرحلة نزود النشطاء فيها بالسلاح المتطور ، والذين لا يخفي أغلبهم نيته وعزيمته على ذبح وتهجير جماعات إثنية ودينية بأكملها ، وإقامة دولة على أساس حكم الشريعة الإسلامية وإضعاف دور المرأة في المجتمع. نريد وبكل قوة إسقاط «الدكتاتور»، ولأجل ذلك نتعاون مع ملوك هم آخر من بقي يمثّل الملكية الإقطاعية في العالم، والذين لا يمنحون أي حق أو حتى القليل منه لشعوبهم وأقلياتهم ونسائهم. نصف النظام بال «جزّار» متجاهلين أو متظاهرين بالجهل عصابات المسلحين التي تقتل بوحشية الأسرى المدنيين والعسكريين ذبحاً وتمثل بجثثهم بطريقة عفا عليها الزمن ولا مثيل لها في الوحشية البربرية. نعلن من قبلنا اعترافنا بالإئتلاف الوطني كممثل شرعي وحيد للشعب السوري وهو مؤلف من الإسلاميين ومن الأزلام السابقين للنظام السوري). هذا الإئتلاف لم يتقبله الشعب السوري بأكثريته، لا بل وأكثر من ذلك، حتى من قبل المسلحين على الأرض في الداخل لأنه يُقاد من قطر والسعودية ودول الخليج. إن دور هذا الإئتلاف، مثل دور الكرزة فوق قالب الكاتو، إنها فقط للزينة، فقد عارضه ولم يعترف به حتى عدد من معارضي النظام،  هيثم مناع وميشيل كيلو ولؤي حسين على سبيل المثال لا الحصر، الذين رفضوا الانضمام إلى مشروع الحرب الأهلية التي يرفع الإئتلاف لواءها.

وبالمناسبة، ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية في مقالها يوم الأربعاء معلقةً على المؤتمر الصحفي لفرنسوا هولاند بأن منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش) قد أطلقت لتوها نداءً إلى ما يسمى «الإئتلاف الوطني» المتشكل بالدوحة لكي «يناضل» ضد «الجرائم المرتكبة من قبل المسلحين»، وأضافت الوكالة قائلة: «لقد أثارت مؤخراً فيديوهات تلخص تنفيذ أحكام بالإعدام بحق جنود إدانات دولية».

إدانات دولية، ربما... ولكننا ما زلنا ننتظر حتى الآن تلك المتعلقة بالثنائي هولاند/ فابيوس !!

هذا السلوك العبثي غريب، ولكن نستطيع تفسيره. كل هذا بسبب «تحضير» هولاند، المأخوذ تماماً، كما العديد من أصدقائه «الاشتراكيين» ومن منافسيه السابقين اليمينيين (حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية UMP، حزب ساركوزي سابقاً)، بالرؤية الأطلسية والليبرالية للعالم، وحيث سياستهم بالدعوة إلى إقامة فدرالية أوروبية ليست إلا مسرحية هزلية. بالإضافة إلى أن فرنسوا هولاند خاضع أيضاً بشكل تام إلى جماعات اللّوبي الصهيوني المتعددة، في المجال الجيوبوليتيكي كله، وخاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط، بما أن «النخبة» لدينا تنظر إلى هذا الأمر بمنظار مصالح وآراء وتحاليل قادة تل أبيب. فرنسوا هولاند مباع كلياً – التعبير يبدو قاسياً ولكن ليعطونا تعبيراً آخر يحل محله – إلى حفنة من الملوك الطغاة البتروليين بالخليج العربي (البترو-طغاة)، وأولهم أمير قطر الذي باعه الفريق الحكومي الغارق والضائع ملف إصلاح الضواحي الباريسية، بانتظار بيع وزارة الخارجية الفرنسية، وهذا ما يحصل عملياً في الملف السوري.

كل هذا لهو محزن ومثير للشفقة، خصوصاً لبلد كبير حكمه فيما مضى رجالات كشارل دوغول ويحكمه الآن تقريباً إمّعات من أمثال برنارد هنري ليفي، ولكن هذا ليس بجديد ولا بغريب ولا بخطير ربما. ولكن بالنسبة لسورية: فهولاند لم يبدأ بعد بدق مسامير مغلاق صناديق الأسلحة التي سترسل إلى المتطرفين. ومن غير المؤكد بأن حديثه المتكرر والمحرض على الحرب سيكون له توابع وتأثيرات سريعة. ولهذا نستطيع إذاً أن نتفاءل إلى حد ما أن وزن فرنسا، العسكري والدبلوماسي، ليس ذا شأن، ولهذا فمن الأفضل لبشار الأسد أن يعتمد على دعم روسيا والصين (ودول أخرى) وأن يتحمل العدوانية العاجزة والفارغة للرئيس الفرنسي المخزي.

في الواقع، حين يتحدث فرنسوا هولاند عن سورية فإنه يتحدث كما يتحدث عن زواج المثليين، بهدف جعل الناس تنسى إفلاسه السياسي السريع.

وتكملة مفيدة لما سبق، ها هي صورة جديدة لما ينتظر العديد من السوريين في حال انتصار (لحسن الحظ هذا الاحتمال ضعيف أكثر فأكثر) المسلّحين الذين يتلقون مرة أخرى تشجيع الإليزيه لهم: مقاتلين شجعان بواسل من أجل الحرية، ينتمون إلى لواء التوحيد السلفي، الناشط بشكل كبير في حلب خاصة، قد أعدموا مؤخراً فلسطينياً سورياً، منتمياً إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قاطعين له راسه بالسكين، قبل أن يلوحوا به مفتخرين وصارخين بأعلى صوتهم «الله أكبر»، مهددين بأن إعدامات مشابهة «ستكون مصير كل خائن» لثورتهم القاتلة الظلامية.

ما هو رأيكم بهذا سيدي الرئيس؟ لا شيء بدون شك، لأن «تحضيرُك» لا يسمح لك بالاقتراب من هكذا حقيقة.

 

نقلا عن الموقع الالكتروني ايريب

بتاريخ 14 تشرين الثاني 2012