الافتتاحية: ما الذي يعنيه انطلاق الحل السياسي؟

تشير التحركات والتصريحات السياسية الدولية خلال الأسبوع الأخير، وبشكل خاص عودة الروح إلى اتفاقات جنيف واعتبارها أساساً للحل، تشير إلى أن ما يفصلنا عن انطلاق الحل السياسي هو أيامٌ وأسابيع قليلة، وبعض المعيقات التي ينبغي تذليلها، ولا شك أن القارئ الموضوعي للتوازنات الدولية والداخلية كان يرى قبل أشهر عديدة أن الأمور ستمضي باتجاه الحل السياسي رغم كل أعاصير الكذب والأوهام التي حاولت الأطراف المتشددة المختلفة تغذيتها طوال الفترة الماضية، لكن ما ينبغي الوقوف عنده هو حقيقة أن أعداء الشعب السوري إذا كانوا سيقبلون مرغمين الذهاب إلى التفاوض، فإن ذلك لا يعني إطلاقاً التخلي عن أهدافهم، هو فقط تغيير للخطط بما يناسب الواقع الجديد..

إنّ أنصار «إحراق سورية من الداخل» من أمريكا وحلفائها وصولاً إلى  ميليشيات الفاسدين في النظام، يتفقون في درجة رعبهم من الحل السياسي، فالحل السياسي بمجرد انطلاقه سيحقق مجموعة من التحولات الهامة:

 انطلاق الحل السياسي سينقل الصراع الجاري إلى إحداثيات أخرى مختلفة تمام الاختلاف عن الحالية، فهو سيتجاوز مقولات «إسقاط النظام» و«إسقاط الرئيس»، ومقولات «إسقاط المؤامرة»، لأن هذا النوع من المقولات ينفع لشن الحروب ولا ينفع في حوار سياسي، وما ينفع في الحوار هو البرامج المكتملة التي تقدم تصورات واضحة عن سورية الجديدة بكل تفاصيلها..

الأمر الذي سيعيد الفرز ويغيّر قواعده، ستطفو على السطح القضية الاقتصادية- الاجتماعية التي لا مصلحة للمتشددين في تظهيرها، لأنه من غير الممكن أن ننتظر من القوى التي تقف ضد العدالة الاجتماعية أن تقول عن نفسها أنها ضدها، ولكن حين تصبح مضطرة لطرح برنامجها سيكون من السهل على الناس تمييز من معها ومن ضدها..

ستطفو أيضاً القضية الوطنية، وسيستطيع القسم الأكبر من المسلحين السوريين توجيه سلاحهم ضد المسلحين غير السوريين حين يمنحهم الحوار الثّقة، فتأمن ظهورهم ويؤّمنون ظهر الجيش العربي السوري، وليس هذا الكلام من قبيل الافتراض لأن مؤشراته ظهرت في مناطق عدة ليس آخرها حلب، فالسوريون في نهاية المطاف قادرون على التفاهم فيما بينهم حين ينوون التفاهم، وجزء كبير من المسلحين السوريين يمكن الحوار معهم..

سيعزل الاصطفاف الجديد شيئاً فشيئاً قوى التطرف والعنف، وسيؤدي إلى انخفاضه تدريجياً وصولاً إلى إنهائه، وسيقضي على أدوات الأعداء الخارجيين في التفتيت الداخلي..

سيؤدي الحوار والحل السياسي إلى إعادة بناء اصطفافات المجتمع السوري على أساس المصالح العميقة، وسيقتلع بالتالي فتيل التفجير المذهبي والطائفي، ويعيد تأسيس وحدة وطنية حقيقية على أساس العدالة والمساواة، وليس وحدة شكلية بين شيخ الجامع وخوري الكنيسة و..الخ

عوداً على بدء، إن القبول الاضطراري بالحل السياسي من جانب أمريكا وعملائها في الداخل والخارج حين سيحدث، فإنه لن يعني تخليهم عن أدواتهم ومن بينها جبهة النصرة والقوى التي على شاكلتها التي أنكروها وتبرؤوا منها نفاقاً في الوقت الذي يعملون فيه على إعدادها للعب الدور الرئيسي في المرحلة القادمة.. إن عدم تخلي هؤلاء عن أدواتهم العنفية هو نتيجة حتمية لحقيقة أن لا خبز لهم في الحلول السياسية، وهم لذلك لن يتوقفوا عن دعم التفجيرات والإرهاب المتنقل في الشوارع السورية، ليستخدموا ذلك ورقة في التفاوض في أسوء الأحوال، وأداة في تسعير وإطالة الصراع قدر الإمكان علّ إحراق سورية يكتمل..

وإذا كانت الظروف الدولية قد نضجت تماماً للحوار، والمعارضة الوطنية جاهزة للحوار، فإن مسؤولية النظام اليوم هي إطلاق الحوار فوراً ودون تأخير، وعزل كل من يعيق الحوار داخل النظام من فاسدين ومتطرفين..

وتبقى مهمة الشعب السوري الأساسية متمثلة في تنظيم قواه وتحويل نشاطه السياسي العالي إلى نشاط سياسي منظم يبدأ من الرقابة التموينية ولجان التسيير الذاتي وصولاً إلى أعلى درجات الفعل السياسي المطلوبة تجهيزاً للحوار وخلاله وبعده..