أفغنة الحركة الشعبية في سورية
صناعة الثورة المضادة:
نجحت القوى الرأسمالية العالمية والإقليمية والمحلية في نقل البلدان العربية التي شهدت ثورات وحركات شعبية إلى وضع رجعي مؤقتاً فبعد أن كانت هذه البلدان في ربيع ثوراتها وحراكها أصبحت في خريف أفغنتها وثوراتها المضادة.
فبعد عامين من ثورة البوعزيزي وانتفاضات الخبز والكرامة والحركات الشعبية التي ضربت عدداً من بلدان الشرق العظيم استطاع النظام الرأسمالي العالمي والإقليمي والمحلي تدارك المد الشعبي مؤقتاً أو تغيير طريق سيرها وتطورها بشكل رجعي مؤقتاً عبر صناعة الثورات المضادة من قلب الثورات والحركات الشعبية وعبر تصدير أشكال محددة من الثورة المضادة لكل بلد حسب ظروفه الخاصة وتصوير هذه الأشكال على أنها الشكل الوحيد للنضال الثوري والسياسي وذلك خوفاً من ولادة حركة ثورية تشكل خطراً على النظام الرأسمالي من قلب الحركة الشعبية والفضاء السياسي الجديد لذلك يفعلون كل شيء لمنع ذلك ومحاولة إبقاء كل الحركات بعيداً عن الثورية وإغراقها في مستنقع الرجعية والفوضوية فكما أثبتت التجارب التاريخية المختلفة في العصر الحديث أنه بين الثورية والفوضوية مقدار شعرة فقط.
الأشكال المختلفة للثورة المضادة تم تصديرها ولا يزال يتم ذلك وبمختلف درجات التصعيد والحدية وأحياناً يتم صناعة أكثر من شكل للثورة المضادة في بلد واحد وكل بلد اختلف شكل الحدية فيه على أن سورية كانت أكثر البلدان حدية وتصعيداً وصدر إليها أكثر من شكل للثورة المضادة من مختلف الأطراف وآخر هذه الأشكال كان أفغنة الحركة الشعبية والتي ظهرت للعلن مؤخراً لكن هذا لا يعني أبداً أنها لم تكن موجودة بل تم التستر عليها من قوى تسمي نفسها ثورية وساهمت هي بذلك في انتشار مؤشرات الأفغنة والآن صارت تأثيرات هذه الأفغنة واضحة نسبياً في كثير من مناطق البلاد ولا يستطيع أحد إنكارها.
لماذا الأفغنة ؟
يجري حالياً محاولة أفغنة الحركة الشعبية في سورية كأحد تجليات الثورة المضادة التي يتم تصديرها إلينا لماذا نسميها الأفغنة ؟ لأن جوهر جزء مما يحدث في البلاد هو الأفغنة ولو اختلف في الشكل كثيراً مما حدث في أفغانستان سابقاً فما يحدث في سورية حالياً لا يشابه أبداً ما حدث في أفغانستان منذ أعوام الثمانينيات وحتى الآن.
لكنه لا يختلف في الجوهر عنه أبداً الأطراف الممولة نفسها موجودة كالرجعيات العربية في الخليج ودوائر الاستخبارات الغربية نفسها والأدوات المستخدمة نفسها من استمرار تدفق المجاهدين المحليين والعرب والأجانب وزراعة الأفكار المتطرفة وتنشيط بيئتها وإظهار هذه الأدوات وكأنها في صف الحركة الشعبية كل ذلك جرى ويجري في أكثر المناطق السورية تهميشاً حيث البيئة الخصبة للتطرف يمكن زرعها هناك بسبب تأثير التفاوت الاجتماعي والأوضاع السيئة لسكان هذه المناطق وخاصة في الأرياف والهدف الاستراتيجي نفسه لمصدري الأفغنة إلينا موجود وهو تدمير البلاد ومنعها من التطور الطبيعي لذلك نستطيع إطلاق أسم الأفغنة عليها كشكل من أشكال الثورة المضادة في سورية.
اغتيال الحركة الشعبية :
لا شك أن الهدف من وراء الأفغنة وإغراق البلاد في صراعات دموية تحت تأثير الأفكار المتطرفة الناتجة عنها هي اغتيال الحركة الشعبية بعد ركوبها وإدعاء تمثيلها ولو اضطرت إلى الاصطدام معها خوفاً من قدراتها الثورية الجبارة وما قد تهدد من مصالح معادية للشعب وبطبيعة الحال فأن الرأسماليات الثلاث السابقة تصاب بالهلع عند نزول الجماهير إلى الشوارع وسيبدون مقاومة مستميتة لحرفها عن طريقها كي لا تهدد مصالحها كل ممارسات أدوات الأفغنة في سورية منصبة تجاه اغتيال الحركة الشعبية في سورية وقد جاءت مرحلة الأفغنة مباشرة بعد مرحلة إغراق الحركة الشعبية بالسلاح والآن يتم محاولة الإجهاز عليها بالأفغنة.
حتمية التاريخ:
حتمية التاريخ وقوانين التطور الاجتماعي التي تفرض هذه الحتمية تتحكم بعمليات تقدم المجتمعات وانتقالها من تشكيلة اقتصادية اجتماعية إلى أخرى وهذه القوانين تتحكم بالحركات الشعبية أيضاً التي قلنا عنها منذ البداية لا أحد وصي عليها ولو نجحت محاولات الثورات المضادة في امتطائها وركوبها مؤقتاً فحتمية التاريخ تفترض وقوف الحركة الشعبية في وجه الثورات المضادة ومختلف تجلياتها فهي تتعلم من تجاربها بكل سلبياتها وإيجابياتها وفي مرحلة معينة من تجربتها ستصطدم حتماً بأشكال الثورات المضادة فالشعارات التي رفعت مؤخراً في بعض مناطق البلاد مؤشر أولي على هذا الصدام وعلى إحساس الحركة الشعبية السلمية بالخطر من الأفغنة وغيرها من تجليات الثورة المضادة ولو انها مجرد شعارات انشائية لم ترتق بعد إلى مستوى برامج سياسية تستطيع تمثيلها.
كلمة أخيرة:
مصدرو الأفغنة إلينا يعيشون أيضاً في أزمة يصدرونها إلينا تصديراً لأزمتهم والفرق بيننا وبينهم أن أزمتنا متخلفة رأسمالياً ومهيمن عليها من رأسماليات أقوى لذلك انعكست بهذا الشكل العنيف وستأخذ الحركة الشعبية السلمية موقفاً مقاطعاً ومعادياً تجاهها قريباً فلا أحد فوق قوانين التطور الاجتماعي وحتمية التاريخ.