زهير مشعان زهير مشعان

الرياضة والفساد والسياسة.. ومباراة الفتوة وتشرين

لا شكّ أن الفساد تغلغل في كل مكان وفي كل القطاعات الإنتاجية والخدمية والقضائية، وحتى الثقافية والرياضية.. ويمكن القول إنه لكثرة الفساد انعكست المقاييس والقيم، فقد ظل الفاسد في تاريخ بلادنا وشعبنا يُشار له بالبنان لنبذه، وفجأة أصبح الفساد شطارة وفهلوة، وأصبح وراء كل فاسد كبير مسؤول أكبر يحميه وربما أكثر. ناهيك عن الفاسدين الصغار الذين ولدوا من رحمهم..!

لقد كانت الرياضة هي المتنفس الوحيد للشباب في التعبير عن طاقاتهم الكامنة.. وقد استغلها المسؤولون العرب ضمن سياسة واضحة لإبعادهم عن الالتفات لمختلف حاجاتهم واهتماماتهم الفكرية والثقافية التي تساهم في تنمية وعيهم.. إضافةً لإتاحة المجال لانتشار العديد من الفرق الدينية التي تُغرق الشباب في سبات عميق كسبات أهل الكهف، وتحصر تفكيرهم بشكليات الدين بعيداً عن الاستنارة والوقوف في وجه الظلم والطغيان ومفهوم العدالة والمساواة والسعي لتحقيقها معتمدين على (أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم) متناسين ومانعين عن عمد التقويم والتغيير سلمياً أو التظاهر للتعبير عن الرأي أو المطالبة.. بالحقوق فكيف  بحد السيف.. أي التقويم بالقوة.. كما قال أحد الأعراب ببساطة لأبي بكر..؟

وتلقى تلك الفرق الدعم والحماية.. كما لم يعترض أحدٌ على المسيرات والهتافات بفوز البرشة (برشلونة) ولم يعترض أحدٌ على المسيرات والهتافات المشجعة للأندية الرياضية بل كانت توفر لها الحماية.. لكن كلّ ذلك لم ولن يُجدي مع تنامي حاجات الشباب ووعيهم لحقوقهم في الفترة الأخيرة.. والخطورة تكمن في إمكانية استغلالها من القوى المعادية التي يمكن أن تحرفها.. ومن قوى الفساد التي تغلغلت فيها، ومن سوء التعامل معها أيضاً بالعنف وغيره.. فتحولت إلى بؤرة توتر.. وفي الوقت نفسه هي مؤشرٌ في تعبيراتها وانفعالاتها عن احتقان لمدى الظلم والغبن الذي يعانيه الشباب من حرمان وقلة فرص التعليم وفقر وبطالة وهيمنة وتهميش..

إنّ الفساد الذي تغلغل حتى في الرياضة لا حدود له، وخاصةً بعد انحرافها إلى الاحتراف.. ولا يخفى على أحد أن هذا المسؤول أو المتنفذ أو الضابط كان يتبنى هذا النادي أو ذاك.. وبالتالي كل الأمور تجُيّرُ لمصلحته متجاوزاً كلّ القوانين بما فيها التحكيم.. وويلٌ لمن يحتج أو يعارض.. ناهيك عن شراء المباريات واللاعبين والحكام، وكذلك وصل الفساد في رأس الهرم الرياضي وهو الاتحاد العام، فأربعة أندية ميزانيتها تتجاوز مائة مليون والبقية أقل من عشرة ملايين فخُذلت الأندية غير المدعومة.. وخُذلت الجماهير حتى في وصول منتخبها للتأهل لبطولة كأس العالم بكرة القدم ولو مرةً واحدة.. بينما وصلت إليها دولٌ أقل إمكانات من وطننا الحبيب سورية..

وكرة القدم الرياضة الشعبية عالمياً وشبه الوحيدة سورياً والوحيدة فراتياً.. لها مكانة عظيمة لدى الشباب وسابقاً كانت هناك مساحات من الأراضي نلعب فيها وكانت مباريات الأحياء الشعبية وبطولة المدارس تشد حتى الأهالي الذين يتابعونها باهتمام بما فيهم النساء اللواتي غُبن عنها منذ سنوات طويلة.. واليوم بعد أن غابت تلك المساحات أمام غابات الاسمنت ولم تعد في المدارس باحة للعب.. بل لم تعد فيها رياضة.. أصبحت الشوارع على خطورتها والأندية هي التعويض عن هذا الحب والعشق للرياضة ومع ذلك يجري اغتياله من المسؤولين والفاسدين..

إنّ ما حدث يوم الجمعة أثناء مباراة الفتوة وتشرين من انحياز وسوء في التحكيم أدى إلى انفجار غضب جماهير الشباب التي تعشق الرياضة وتحب ناديها الفتوة.. وهذا الغضب هو تعبير عن معاناة متراكمة وخاصةً تهميش المنطقة الشرقية حتى في الرياضة، فانهالت بالحجارة على اللاعبين والحكم.. وجاءت المعالجة غير الصحيحة في البداية .. إذ دخلت سيارة وسط الجمهور وفتحت أبوابها بسرعة وبدأ العناصر بإطلاق النار في الهواء مما استفز الجمهور فانصب الغضب عليها وأدى إلى إحراق سيارة لها على الأقل كما ذكر الكثيرون ممن حضروا المباراة.. وهذا الاستفزاز لو أنه تطور وأدى إلى سقوط ضحايا من يتحمل مسؤوليته..؟. وللعلم هذه الجهة زادت من دراساتها المستمرة والمتكررة حول الرفاق في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين،بل باتت تتدخل في أبسط الأشياء في المجتمع من غير اختصاصها.. وحتى في الشؤون العائلية، لذا يجب وضع حدّ لهذه الممارسات ومحاسبة المسؤولين عنها؟ وفي الوقت نفسه نثمن موقف عميد الشرطة المدنية الذي رغم قذفه بالحجارة وإصابته إلاّ أنه حيّا الجمهور وهو يحمل العلم..!!

إنّ ما حدث يؤكد أنّ المطلوب اليوم قبل الغد تلبية حاجات الشباب في العلم والعمل والسكن والزواج وبناء أسرة، وكذلك حقوقهم في التعبير عن آرائهم واختيار ثقافتهم التي ترتكز على حبّ الوطن والشعب وليس إلزامها وحصرها في أطُر ضيقة.. وخاصةً أنّ الشباب دائماً هُم النبض الحي للمجتمع، ومجتمعنا من المجتمعات الفتية، وما حدث في تونس ومصر خير تعبير عن قُدرات الشباب الجبارة التي لم تستطع الوقوف في وجهها أعتى الدكتاتوريات وأفتك طرق وأدوات القمع والكبت لها.. ومن يظن أنه سيبقى يُماطل، ويتجاهل حقوقهم وكرامتهم التي هي من كرامة الوطن فهو واهم..