أمي... وقانون الطوارئ!

إذا كنتم تعرفون ضيعتي، مكان إقامتي، مكان عملي، أوقات دوامي، أرقام هاتفي المنزلي، رقم جوالي، نوع دراجتي النارية، سائق التاكسي الذي ينقلني، تعرفون لون شعري وعيوني، صالون الحلاقة الذي أقصُّ فيه شعري، (الدكنجي) الذي أشتري منه حوائجي، فلماذا تعذبون أنفسكم المرة تلو الأخرى، وتذهبون لتسألوا عني أمي؟! وإذا كنتم تعرفون أصدقائي وجيراني وأقربائي، ومع من أحتسي (المتة) كل صباح، ومع من أشرب الخمر كل مساء، فلماذا تذهبون لتسألوا عني أمي؟! وإذا كنتم تسألون عني الكبار والصغار، والمخبرين والماجنين، والذين لهم علاقة معي والذين لا علاقة لهم بي، فلماذا تذهبون إلى المختار ورئيس الجمعية الفلاحية وأمين الفرقة الحزبية للسؤال عني؟! وإذا كنتم تعرفون هواياتي، ألوان لباسي، شاعري المفضل، مطربي المفضل، فريقي المفضل لكرة القدم، فلماذا تذهبون إلى أمي المريضة لتسألوا عني؟! وإذا كنتم تعرفون متى أنام، متى أصحو، من أزور ومن يزورني، بماذا أحلم وبماذا أفكر، إلى أي حزب سياسي أنتمي منذ عشرين عاماً، فلماذا تذهبون إلى أمي المريضة بالضغط والاكتئاب والسكري لتسألوها عني، فتجيب عن بعض أسئلتكم ولا تجيب عن بعضها الآخر، كي لا تلحق الأذى بي؟.

أمي المعذبة لا تزال منذ عشرين عاماً تخاف أن تصرح بأن ابنها شيوعي، لأن ذلك سيغضب الحكومة، ولا تزال كلمة (سيشحطوك) ترن في أذني مرات ومرات، وكأنها سمفونية لبتهوفن. وإذا كانت زياراتي لكم متكررة يا أصحاب الأسئلة ودراساتكم عني لا تعد ولا تحصى، وإضبارتي عندكم قد امتلأت على آخرها، فلماذا الدراسات الجديدة عني؟ وما جدواها؟ خصوصاً أن أغلب معلوماتكم التي تحصلون عليها هي من مخبرين لا يهمهم إلا إلحاق الأذى بالناس، والمضحك المبكي أنني أنتمي لتيار سياسي هو عضو أساسي في اللوحة السياسية الوطنية، والأنكى من ذلك بأنني لم أترشح إلى أي منصب سياسي أو حتى جمعية فلاحية أو لجنة نقابية أو مجلس بلدي أو أي موقع آخر، فلماذا تتفننون بالسؤال عني؟ وإذا كان أصحاب الأسئلة والتقصي قد تطوروا وتحسنوا بطريقتهم وأسلوبهم بعد دخولنا في الألفية الثالثة، فأصبحوا أكثر لياقة وأقل وقاحة من الزمن السابق، فلماذا الاتصالات الهاتفية بي وبغيري وإخوتي وأهلي لتسالوا عني؟

لن أدعي البطولة وأقول إنني مهم لكي أستحق كل هذه الدراسات، فأنا مواطن عادي مثلي مثل غيري، أمشي (الحيط الحيط) وأقول يا رب السترة، وإن حالتي هذه تذكرني بقصة خليل السجين الكردي السياسي الذي لم يسمح بزيارته إلا مرة واحدة بالشهر، وتحديداً أهله، وبعد كل زيارة له بالسجن يأتي رجل الأمن مسرعاً مستعجلاً ليسأل خليل السؤال نفسه: من زارك اليوم يا خليل؟ فيجب خليل لارا وأم لارا، وبعدها ابنتي وزوجتي وبعدها صباح وابنة صباح، وبالنهاية هؤلاء كلهم (الزوار ذاتهم) زوجته وابنته؟ فأرجوكم يا أصحاب الأسئلة والبحث أن تخففوا دائرة الاستجواب ودائرة من تسألوهم في حال قدم أخي بلاغاً عن بدل هوية ضائع، فما علاقة أعمامي وأخوالي وأصهرتي وأبناء خالاتي بضياعها! فأرجوكم اتركوا أمي بحالها وهمها ومرضها، وافعلوا بي ما شئتم، فأنا أسامحكم عني بكل شيء، ولكني لن أسامحكم أبداً بدموع أمي...