أسامة دليقان أسامة دليقان

الفساد الكبير.. والمنظومة الأخلاقية - التشريعية

درجت العادة على تعريف الفساد بأنه الإثراء غير المشروع، الذي يجري عبر استغلال المنصب.

ولكن المنظومة الأخلاقية- التشريعية في أي مجتمع تأتي كانعكاس لتوازن القوى الطبقي فيه، ودستور الجمهورية العربية السورية جاء انعكاساً لرجحان كفة الطبقات المنتجة، من عمال وفلاحين، ليس محلياً فقط، بل وعالمياً بفضل وجود الاتحاد السوفييتي في حينه. ومع التغير التدريجي لهذا التوازن وميله نحو كفة البرجوازية، ومن ثم النقلة النوعية بانهيار الاتحاد السوفييتي، ازدادت قدرة فاسدي جهاز الدولة في سورية، على نهب الأموال العامة ومراكمة الثروات على مدى سنوات، كإثراء غير مشروع، أي كفساد! ولكي يصبح هذا الإثراء «مشروعاً»، كان لا بد للفاسدين من تغطية سرقاتهم بإجراءات وقوانين وتشريعات ملائمة، كانت بمثابة رصاصات ليبرالية خرقت صدر الدستور، مثل الخصخصة، وبيع البلاد والعباد لحيتان الأسواق الداخلية والخارجية، ورفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية، وتخفيض الأجور وزيادة الضرائب والأسعار، وبهذا قاموا بتبييض أموالهم، وتحوّلوا من فاسدي سلطة إلى رجال أعمال «شرفاء ونزهاء»، أي أنهم وهذه الحال زالوا بوصفهم فاسدين.

إنّ أيّ مراقب موضوعي لا يريد أن يكسر عنق المنطق، لا يستطيع بغير هذه الطريقة أن يفهم المقصود مما يجري الحديث عنه رسمياً، أقله في الآونة الأخيرة، من أنّ فساداً ما كان موجوداً واختفى! وفي الوقت نفسه نتساءل: أي فساد إذاً هو المقصود عندما تعلن الجهات الرسمية ذاتها - وعلى نحو قد يبدو متناقضاً – عن نوايا لمكافحة الفساد؟

هنا أيضاً لا يوصلنا المنطق سوى إلى الاستنتاج بأنّه إنْ كان ثمّة مقصود بـ«مكافحة الفساد» فإنما هو الفساد الصغير، فساد الموظفين الصغار، والمواطنين من أصحاب الأجور والدخل المحدود، والذين دُفعوا دفعاً نحو الرشوة والارتشاء، بسبب الفساد الكبير أصلاً. وما استمرار الفساد الصغير وازدياده سوى دليل صارخ على ازدياد الفساد الكبير وتوغله وليس زواله بأية حال.

إنّ حلّ أية مشكلة لا يبدأ من الاعتراف بها فحسب، بل وبحجمها أيضاً. ولا يمكن أن يسير أيّ إصلاح حقيقي في سورية، دون الاعتراف بالفساد الكبير، ومهما كان شكل القطار الحكومي الجديد، فالمطلوب تغيير السكة الليبرالية، وفتح دفاتر جميع الفاسدين في المجتمع وفي سلطات الدولة التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، وداخل الحكومات السابقة وخارجها، من أجل محاسبتهم على فسادهم، سواء أكان غير مشروع، أم «مُشرعَن»، وسواء أكان سياسياً أم اقتصادياً، لأنهما في نهاية المطاف وجهان لعملة واحدة.