«المصعِّدون» سيخسرون سياسياً.. وعسكرياً!
عاشت مدينة حلب السورية خلال الأيام القليلة الماضية على وقع تصعيد ميداني أودى بأرواح عشرات الضحايا المدنيين، سواء من القاطنين في مناطق واقعة تحت سيطرة الدولة، أو في تلك الواقعة تحت سيطرة المسلحين، وذلك بالتوازي مع جولة جنيف3 الثانية التي أحرزت تقدماً هاماً في مسار الحل السياسي تمثّل في النقاط التالية:
صمد جنيف أمام محاولات التصعيد الميداني والسياسي المختلفة، بل واستمر «بمن حضر»، مثبتاً بذلك أنّ حجم التوافق الدولي على إنهاء الأزمة السورية سياسياً هو أكبر وأعلى بكثير من مختلف رغبات المتشددين الداخليين والإقليميين والدوليين.
شهدت الجولة الثانية مناقشة قضية أساسية ومفتاحية ضمن الحل السياسي، هي مسألة الجسم الانتقالي والمرحلة الانتقالية، وقدمت مختلف الأطراف رؤاها وتصوراتها، ما يعني ضمناً وعلناً قبولها بتنفيذ القرار 2254، وبداية تراجعها عن طروحاتها وشعاراتها القصوى المتعارضة مع ذلك القرار، والمتعارضة مع منطق التسوية.
بدأ عملياً ظهور الأوزان الحقيقية للقوى المحلية السورية استناداً إلى مدى إسهام كل منها في الدفع باتجاه الحل السياسي، قولاً وفعلاً.
إنّ استيعاب ما يجري في حلب هذه الأيام ينبغي أن يستند إلى السياق العام الذي تجري ضمنه، وما أوردناه بشكل موجز عن نتائج جولة جنيف3 الثانية جزء محوري من هذا السياق، ولكن قبل ربط المسألتين لا بد من إبعاد التشويش و«النعي» الإعلامي والسياسي من تلك الأطراف والجهات المتشددة، التي سارعت إلى القول بفشل الهدنة، وحتى بوجوب إيقافها، إن لم تقف بعد! وكذلك سارعت لإعادة طرح شعاراتها «حسماً» و«إسقاطاً» متكئة على الدم السوري المهدور.
إنّ أبسط ما يقال في عودة هذه الشعارات وهذه الطروحات، هو أنّها تجارة وقحة بالدم السوري، فإنّ كان وسطي عدد الضحايا السوريين اليومي قبل الهدنة يتجاوز مائة ضحية يومياً، وإن كان هذا الوسطي قد تراجع بشكل كبير منذ بداية الهدنة، فإنّ أولئك المطالبين بإيقاف الهدنة انطلاقاً مما جرى في حلب في تباكٍ منافق على ضحاياها، إنما يقولون بشكل غير مباشر، أنّ وسطي عدد الضحايا اليومي خلال الهدنة غير كافٍ وينبغي العودة إلى أعداد أكبر بكثير، كتلك التي كانت قبل الهدنة، وربما أكبر!
إنّ التصعيد الجاري، عبر استهداف المدنيين بالدرجة الأولى والإتجار بهم سياسياً وإعلامياً، هو محاولة واضحة لإفشال جنيف ولدفع الأمور باتجاه حالة من الاستعصاء، وهو ما لن ينجح بحال من الأحوال، إذ أن كل «جهد» في هذا الاتجاه هو عمل بالضد من التوافق الدولي.
يقف وراء هذه المحاولات كل من التيار الفاشي الدولي وملحقاته الإقليمية والمحلية، وكذلك المتشددون والفاسدون الكبار، دعاة الحسم والإسقاط، وهؤلاء وإن اختلفت نواياهم وأهدافهم النهائية، ولكنهم يتفقون اليوم على محاولتهم إفشال الحل السياسي.
غير أن الحل السياسي يصعد بوتائر أكثر تسارعاً مما مضى، وتلوح إمكانيات قطع أشواط أخرى في صياغته وبلورته واقعاً ملموساً على الأرض، ما يعني خفوت التصعيد الميداني من مصادره المختلفة، بدليل الإعلان الروسي- الأمريكي مجدداً عن تثبيت الهدنة في ريف دمشق واللاذقية وبحثها في حلب، ما يشكل صفعة جدية للمصفقين لانهيار الهدنة، وذلك تحت الضغط الموضوعي والذاتي للحاجات السورية الوطنية المتوافقة مع ضغط ميزان القوى الدولي الجديد في العالم، أي بكل ما تختزله عملية التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل.