«ميونخ».. تقليم أظافر المعرقلين؟!
لا يزال الصراخ «الحربجي» السعودي- التركي، يتصاعد بشكل مطرد منذ ما قبل انطلاقة مؤتمر جنيف3 وحتى الآن. والظاهر أنّه سيستمر على حاله في الأيام القادمة، ولكنّ الأهم أنّه سيبقى صراخاً، ذلك أنّ مضمون ما تدعو إليه الرياض وأنقرة هو حرب إقليمية ودولية، إذ أن أي دخول بري في سورية يتطلب بطبيعة الحال تغطية جوية، تعد مفقودة بحكم الوجود الجوي الروسي، وستعد محاولة إيجادها بالتالي صداماً مباشراً مع الروس.
وهكذا فإن السعودية وتركيا إنما تدعوان لحرب إقليمية ودولية لا تمتلكان قرار شنها، على اعتبار أن من يمتلك قرارات كهذه عالمياً في المرحلة الراهنة هما روسيا والولايات المتحدة، اللتين ليستا في هذا الوارد، بغض النظر عن أسباب ودوافع كل منهما على حدة.
من جهة أخرى فإنّ ذاك الصراخ يعكس إحساس السلطتين السعودية والتركية العميق بحجم الخسارة التي تلقياها، وسيتلقيانها تباعاً، وأول إشاراتها هي إقصاؤهما التدريجي بعيداً عن الملف السوري، بحيث لا يبقى لأي منهما أي دور جدّي أو واسع، لا في حل الأزمة، ولا في مستقبل سورية. وسيرتفع مستوى التفجع والندب لديهما مع الوقت كلّما استوعبتا حجم خسارتهما في سورية.
جاء اجتماع ميونيخ يوم الخميس الفائت ليخطو فيما يبدو خطوة إضافية في تقليم أظافر القوى الإقليمية المعيقة، بعد أن شاغبت بما فيه الكفاية على التوافق الدولي المعمّد بالقرار 2254، بما يضبط إدارة العملية أكثر لدى كل من موسكو وواشنطن.
إنّ البيان الصادر عن الاجتماع، ومجمل اللقاءات والتصريحات التي جرت على هامشه، تؤكد على أن «ميونيخ» خلص إلى تكريس التوجه نحو الحل السياسي، وانطلاق العمل فعلياً نحو تنفيذ القرار 2254 عبر آليات ملموسة لمتابعة وتنفيذ عدد من أبرز بنوده.
ويترافق ذلك ظاهراً أو ضمناً مع عملية تبريد للرؤوس الحامية، عبر تقديم مخارج شكلية لأصحاب تلك الرؤوس تحفظ ماء وجوههم، ولكنّها لا تقدم لهم أي تنازل عملياً. فمختلف محاولات العمل خارج إطار القرار الدولي والتي جرت منذ تعليق المؤتمر حتى الآن لم تفلح، وتم قطع الطريق عليها. أي أنّ هوامش لعب وشغب القوى الإقليمية، وأدواتها السورية (فريق الرياض)، على التوافق الدولي ضاقت إلى حد بعيد، وهي في طريقها إلى الزوال تدريجياً، ضمن آجال ليست ببعيدة.
وربما يكون من أهم ما في بيان ميونيخ هو تأكيده على ضرورة التزام الأطراف جميعها بالتنفيذ الصارم للقرار الدولي كاملاً، بما يعني ضمناً تصحيح «خطأ» المبعوث ستافان دي ميستورا، بما يخص تمثيل المعارضة، وبالجدول الزمني لتنفيذ بقية بنود القرار.
إنّ حل الأزمة السورية غدا حاجة دولية، إلى جانب كونه حاجة سورية، إنسانية ووطنية، في المقام الأول. وإن الحل بات يمر موضوعياً عبر طريق محدد هو تنفيذ القرار 2254، وما يجري بغض النظر عن هنّات هنا أو هناك هو المضي نحو تنفيذ هذا القرار، بحيث يجري لجم أية مشاغبات من أي طرف، وتأريضها عند الضرورة.