انطلاق الحل السياسي مستمر..!
خيّمت بعض مشاعر اليأس والإحباط على معظم السوريين مع إعلان المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستافان دي ميستورا يوم الأربعاء الفائت عن تعليق أوائل جلسات «جنيف3»، حيث أسهم إعلام جهات وأطراف مختلفة في محاولات نشر هذا اليأس حتى قبل هذا الإعلان، وهو الإعلام نفسه الذي لا يزال يواصل تلك المحاولات.
إنّ ما انهار حتى الآن هو بقايا شكل «جنيف2»، بمعنى أنّ محاولة «الائتلاف- الرياض» احتكار تمثيل المعارضة، أسوة بجنيف الثاني، هي بالذات ما انهار بعملية تعليق أول جولات «جنيف3». بالمقابل فإنّ ما تثبت هو أنّ حل الأزمة السورية سياسياً لا يمكن أن ينجح دون الالتزام بتعددية المعارضة وتنوعها، وهو ما جرى تثبيته بوجود وفد «الديمقراطيين العلمانيين»، الأمر الذي سيتحول إلى عامل أساسي تبنى عليه المحادثات والمفاوضات في الفترة القريبة القادمة، ودون الالتزام بمبدأ الامتناع عن محاولات فرض الشروط المسبقة.
إنّ مجمل الضغوط التركية- السعودية- القطرية، باتجاه إفشال المؤتمر عبر سلوك ومقاربات «وفد الرياض»، وعبر العمل على منع مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي، والإيحاء بأن وفد المعارضة الثاني ليس أصيلاً بل استشارياً.. إنّ مجمل هذه الضغوط تعكس فهم هذه القوى لحجم خسارتها الكبير الذي سيترتب على مضي الحل السياسي قدماً، ما دفعها إلى محاولة تخريب المؤتمر. ويمكن القول أنها نجحت في تأخيره وعرقلته ولكنها لن تنجح في الإجهاز عليه، بل ستدفع ثمن تأخيرها وعرقلتها مزيداً من التراجع والخسائر لديها، ذلك أنّ هذه القوى، عبر سلوكها التخريبي، دخلت في تناقض مباشر، مع إرادة المجتمع الدولي المتمثلة ببيانات فيينا وقرار مجلس الأمن الدولي 2254، كما من شأنه أن يظهر إلى السطح التباينات الكامنة في المعسكر الأمريكي، وهو ما لا يتناسب مع واشنطن.
وكما سبق لنا أن أكدنا أنه وبغض النظر عن «جنيف» بالمعني الزماني والمكاني، فإنّ السير باتجاه إنفاذ الحل السياسي، وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 لا يزال الخط الأساسي الناظم للأحداث المختلفة، وما ظهر من عرقلات خلال الأسبوع الفائت كان سيظهر، بهذا الشكل أو ذاك، على أية حال. ولكن يبدو أن الإسراع في تظهيره أخذ بعين الاعتبار الاستباق على اكتمال حضور وفد الديمقراطيين العلمانيين الذي جرى تأخير وصوله لوجستياً بشكل مقصود، لأنّ ظهور هذا الوفد بحجمه الكامل وبوزنه السياسي والمعرفي، وطروحاته العقلانية الجادة بإخراج سورية والسوريين من الأزمة الكارثية، من شأنه أن يدفع الأمور على نحو أقرب باتجاه بلورة الحل عملياً، فيُسقط في يد «وفد الرياض»، ومَن خلفه.
وعلى الرغم من ذلك، فإنّ ظهور العرقلة مع بداية المؤتمر له إيجابياته أيضاً، فهو يضع المجتمع الدولي بأسره أمام حقيقتين أساسيتين:
أولاً: وجوب زيادة الضغط على تركيا- السعودية- قطر إلى الحدود الكافية التي تخرجهم من الشأن السوري لأنهم أثبتوا عدم أهليتهم على الاشتراك في حل سياسي يحقن الدم السوري الذي ساهموا في إهدار قدر هائل منه بسياساتهم المختلفة.
ثانياً: تثبيت تعددية المعارضة السورية على أساس 2254، وعلى الأساس العملي القائل بأنّ الحل ينبغي أن يجري دون شروط مسبقة، وبيد أولئك الذين يسعون حقاً وفعلاً من أجل الحل.
إنّ الحل السياسي قد انطلق فعلاً، وما يجري الآن هو إزاحة المعيقات والكوابح التي تبطئ من سيره، وإنّ مساحة الأمل التي فتحت أمام السوريين لن تنغلق، بل ستتسع باطراد لتفتح الطريق أمام إنجاز «المهمة الثلاثية رقم واحد»: (إنهاء الكارثة الإنسانية، ومحاربة الإرهاب، وإحداث التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، على الصعد كافة).