!!الرفيق د. قدري جميل لصحيفة «بلدنا»: مستعدون للمشاركة في الحكومة القادمة.. بحوار
أجرت صحيفة «بلدنا» يوم السبت 2012/1/18 لقاءً موسعاً مع أمين حزب الإرادة الشعبية وعضو رئاسة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير الرفيق د. قدري جميل، تناولت فيه عدداً من النقاط أبرزها موضوع حكومة الوحدة الوطنية التي يؤكد الحزب أهمية تشكيلهاكخطوة ضرورية وعاجلة على طريق إيجاد مخرج آمن للأزمة التي تمر بها البلاد من آذار 2011..
«قاسيون» تعيد نشر اللقاء نظراً لأهميته.. وفيما يلي نصّه كاملاً كما نشرته الزميلة «بلدنا»:
«الحكومة الوطنية» حديثُ البلد اليوم، ومحورُ التوقّعات والنقاشات.. فهل ستملك هذه الحكومة العصا السحرية، التي من الممكن أن تُنقذ سورية وتخفّف من احتقان شارعها؟.. وماذا ستكون أولوياتها، وماذا يريد منها السوريون، ومن سيُشارك فيها، وإلى أين وصلت المشاورات الرسمية حولها؟.. ما هو دور الحكومة الوطنية القادمة في الخروج من الأزمة سياسياً واقتصادياً وأمنياً؟
طرحنا، في الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير وفي حزب الإرادة الشعبية، فكرةَ ضرورة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، منذ نهاية الشهر الحادي عشر. وذلك انطلاقاً من ضرورات الواقع المتجدّد. وأساس الفكرة جاء بعد اللقاء التشاوري الذي كان بين 10-12 تموز؛حيث كان الترتيب في الذهاب إلى الحوار وحلّ الأمور المتعلقة بخلق المناخ المناسب، ومن ثم حلّ القضايا المتعلّقة بالإصلاحات عن طريق الحوار.. وعلى أساس ذلك، تُشكّل حكومة وحدة وطنية. أما ما حدث (دون الدخول في التفاصيل) أنَّ الجزء الأكبر من توصياتاللقاء التشاوري الثماني عشرة لم يُنفّذ لأسباب مختلفة؛ ما أنشأ واقعاً جديداً بعد ذلك، أي بعد مضي نحو 5 أشهر. ورأينا أنَّ الوضع بدأ يتعقد.. فعلى الرغم من أنَّ الضغط الخارجي تراجع نتيجة الفيتو الروسي والصيني، وابتعد احتمال التدخل الغربي العسكري المباشر،إلا أنَّ الأمور في الداخل تعقّدت، لذلك طرحنا فكرة الحكومة الوطنية قبل الحوار، لتكون البوتقة الأولى للحوار، وأصررنا على هذه الفكرة. كما بيَّنت الأحداث، منذ نهاية الشهر الـ11 إلى اليوم، أنَّ هذه الفكرة شقَّت طريقها بسرعة، سواء في الشارع أم ضمن أوساطالنظام. وهذا لا يعني أنها لا تلاقي معارضة، بل لها معارضة في كلّ مكان؛ فهناك من لا يريدها في النظام وفي المعارضة وفي الشارع، إلا أنه في الجهات الثلاث من المؤكد أنَّ هناك من يريد حكومة الوحدة الوطنية هذه، ويعتبرها المخرج من الأزمة العميقة الشاملةالتي تعيشها البلاد.
أما الخروج من الأزمة، فيتطلّب دراسة كلّ العوامل التي أدخلتنا فيها؛ لأنه إذا أردنا الخروج علينا أن نعرف كيف دخلنا إليها؛ فطريق الخروج هو عكس طريق الدخول. ودون أن أدخل في التفاصيل، أقول: إنَّ تعقّد الأزمة كان نتيجة خطأين. وعلى النظام تحديداً أنيعترف بهما. وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية هو في حدِّ ذاته تجاوز لهذين الخطأين.
الخطأ الأول يتمثّل في السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اتُبعت في السنوات الماضية، والتي كانت الأساس الموضوعي للأزمة؛ أي أنّ هذه السياسات كوَّنت الكثير من العشب اليابس داخل البيت السوري.. وقصّة من سيشعل الكبريت والشرارة الأولى هي قصةتفصيلية؛ لأنه لو لم يكن هناك عشب يابس، لما استطاع الكبريت أن يُشعل شيئاً.
وهذا الموضوع موضوعٌ كبير، يجب أن يكون درساً مهماً؛ لأنه يبيّن لنا كيف علينا أن نخرج من آثار هذه السياسات التي خلقت التوتر، الذي سمح بالانفجار.. لأنَّ الاعتراف بهذا الخطأ يتطلّب الانعطاف جدياً نحو سياسات اقتصادية اجتماعية أخرى، تختلف جذرياً عنالتي كانت متبعة، وجوهرها أولاً وثانياً وثالثاً تلبية حاجات الناس؛ من أجور، وخدمات (تعليم- صحة..)، إضافة إلى القضايا الحياتية اليومية (مازوت- غاز- كهرباء..) من ناحية توفيرها وخفض أسعارها.. لأنه إذا أردنا الاستمرار في المقاومة والممانعة، يجب أن يكوننَفَس الاقتصاد والمجتمع مقاوماً وممانعاً، والسياسات الليبرالية لا تفي بالغرض وتؤدي إلى نتيجة عكسية.
موضوعياً، سورية في الأزمة أُضعفت واستُهلكت. صحيح أنَّ الموقف السياسي المقاوم والممانع لا يزال مستمراً، إلا أنَّ الحاملَ له، وهو الجيش السوري (الذي يعزُّ علينا)، جزء مهم منه مستهلك في الأزمة الداخلية، وقدَّم خسائر كبيرة، رغم أنَّ الجميع كان يفضّل أنتقدَّم هذه الضحايا لتحرير أرض الجولان. لذا أرى أنَّ الخروج من الأزمة يعني الانتهاء من السياسات الليبرالية الاقتصادية الاجتماعية.
ما هو النظام الاقتصادي الذي ترى أنه الأنسب للمرحلة القادمة؟
الصينيون كانوا يقولون عندما يُسألون عن اسم النظام: «لا يهمني ما لون القط المهم أن يأكل الفئران». وفي الحالة السورية، على القط أن يأكل فأرين؛ فأر النمو، وفأر العدالة الاجتماعية.
النظام، الذي تحتاج إليه سورية في المرحلة القادمة، هو ما يضمن أعلى نمو ممكن وأعمق عدالة اجتماعية ممكنة، لا أن يحدّ من الفقر بل يزيل الفقر؛ لأنَّ الفقر في القرن العشرين ظاهرة معيبة؛ إذ كان هدف السياسات الليبرالية الحدّ من الفقر، إلا أنها عملياً ذهبت نحوزيادة معدلات الفقر.
وكانت سورية قد عرفت نموذجين اقتصاديين؛ الأول بدأ مع بداية الستينيات واستمرّ حتى أوائل التسعينيات، والثاني من التسعينيات إلى اليوم.
في النموذج الأول، كان دور الدولة قوياً، إلا أنه لم يكن ذكياً؛ فهو دور أوامري إداري فوقي.. وكان مفيداً في مرحلة تاريخية معينة، ولكن بعد أن انتهت ظروفه التاريخية واستنفد نفسه، انتقلنا إلى نموذج اقتصادي يعتمد سياسات ليبرالية (من انفتاح واستثماراتخارجية)، وتراجع فيه دور الدولة عملياً في القطاعات الإنتاجية والخدمية كافة، وكانت النتائج التي نراها اليوم. وعندما نقول إنَّ السياسات الأخيرة كانت سيئة، لا نقصد الرجوع إلى ما قبلها من سياسات، وإنما الذهاب إلى الأمام؛ فإذا كان الدور السابق هو «اللا دور»والدور الذي قبله دور القوة فقط، فالمطلوب حالياً دور ذكي للدولة، وأن تكون قوته في ذكائه. والمطلوب منه تأمين النمو العالي والعدالة الاجتماعية العميقة. والسياسات الليبرالية تضع الأمرين في تناقض؛ أي أنَّ من يريد أن ينهض بالنمو عليه نسيان العدالة، ومن يريدالنهوض بالعدالة يجب أن ينسى النمو. وأعتقد أنَّ سورية قادرة، والفكر البشري قادر بتطوره اليوم (خاصة في ظل الأزمة الرأسمالية العظمى) على إنتاج ذلك النموذج الذي يؤمن شقّي المعادلة في آن معاً.
والطريق إلى ذلك في سورية واضح؛ فالموارد الداخلية موجودة، ولا حاجة «للاستقتال» على الموارد الخارجية، والمورد الأساسي الداخلي الموجود هو من موارد الفساد التي تأكل 30 % من الدخل الوطني. والمعركة ضدَّ الفساد هي معركة اقتصادية واجتماعيةوسياسية بامتياز، وبالتالي هي معركة وطنية عظمى.
فمن الممكن لموارد الفساد أن تؤمّن الحدّ الأدنى الضروري للانطلاق بالنموذج الجديد، الذي يُعطي وتائر نمو عالية. وهذا لا يعني أنَّ المشكلة ستُحلّ فوراً، إلا أنني أرجّح أنها تحتاج بين 3 و5 سنوات، إلا أنَّ المواطن سيشعر كلّ يوم بالنتائج الإيجابية بشكل تدريجي.
تحدثت عن خطأين ارتكبهما النظام خلال هذه الأزمة.. ما هو الخطأ الثاني؟
الخطأ الثاني هو طريقة التعامل مع الاحتجاجات؛ فالنظام في ذاكرته الحيّة (أي في أرشيفه) تَعَلَّم أن أيّ احتجاج عندما يتمّ التعامل معه أمنياً ينتهي، إلا أنَّ طبيعة هذه الاحتجاجات مختلفة، وهي ليست سوريّة فقط إنما عربية وعالمية وتحدث كل 100 سنة مرة،ولمواجهتها لابدَّ مَن معرفة رفيعة المستوى، لأنَّ التعامل الأمني البحت مع احتجاجات كهذه يؤدي إلى تعقيد الوضع.
يجب الاعتراف بأنه كان هناك خطأ في منطق التعامل. وهنا لا أنفي ضرورة الحلّ الأمني مع من يحملون السلاح، إلا أنَّ القصة أعقد من ذلك؛ حيث يحتاج أيّ مسلح حتى يستطيع أن يعمل إلى بيئةً مناسبة، والقضاء عليه يحتاج إلى كسب البيئة أو تحييدها.. إلا أنَّ ماحدث هو أنَّ تلك البيئة قد قويت. والسبب في ذلك يرجع إلى الحلول الأمنية البحتة، التي لم تنظر إلى الموضوع بشكل سياسي شامل. وقد كانت الأشهر العشرة الماضية كافية لنفهم أنَّ الحلَّ الأمني البحت يعقّد ولا يحلّ؛ فالحل الشامل يجب أن يكون سياسياً واقتصادياًواجتماعياً وأمنياً.
أما السؤال الكبير، فهو: هل كانت الأزمة نتيجة خطأ عابر، أم هي اختراق استراتيجي كبير من العدو؟.. ما يرجّح الدورين التركي والقطري في فترة التحضير للأزمة بين العامين 2010-20051، واللذين كشفا اللثام عن وجهيهما مع بداية الأزمة، بعد أن كانا خلالالسنوات الخمس الماضية يطلبان من سورية تغيير تشريعاتها، وتخفيف دور الدولة، وتحرير التجارة، وتقوية دور القطاع الخاص.. ووعدا إذا تحقَّق ذلك بتدفق الاستثمارات الخارجية كأنهار الحليب والعسل. ونتيجة ذلك، خُلق العشب اليابس، ولم تأت تلك الاستثماراتالمزعومة.
ودور الحكومة القادمة يجب أن يكون مكثّفاً لحلّ هذه القصة؛ حيث سيكون لديها مهمات متوسطة المدى، ومهمات سريعة تتمثل بالتهدئة.
هل ستستطيع الحكومة القادمة فعلاً أن تحقّق تهدئة؟
في رأيي تستطيع إذا مُثّلت فيها القوى النظيفة في النظام (البعيدة عن الفساد والتي لم تلوّث أيديها بالدم)، والقوى النظيفة في المعارضة (القاطعة العلاقة نهائياً مع المعارضة اللاوطنية)، والقوى النظيفة في الحركة الشعبية السلمية الاحتجاجية المشروعة التي ترفضالتدخل الخارجي. وهؤلاء إذا اجتمعوا على كلمة، يستطيعون حلَّ الأزمة.
•وهل يستطيع هؤلاء أن يملكوا الشارع؟
نعم بكلّ بساطة، وفي فترة زمنية قياسية.. إلا أنَّ هذا له ثمن. الثمن الأول، ليقتنع الشعب بأنَّ هذه الحكومة قادرة على مكافحة الفساد ليس بالكلام، يجب أن تكون هناك أمثلة ملموسة.. «أرى رؤوساً أينعت وحان قطافها»؛ إذ من الضروري أن تُقطع رؤوس الفساد الكبير،لأنَّ هناك أزمة ثقة ولابدَّ من إعادة هذه الثقة.
ماذا يجب أن تكون مهمة الحكومة القادمة؟
مهمة الحكومة القادمة المحاسبة، واستكمال إطلاق سراح المعتقلين، والتعويض المادي لكلّ المتضررين مادياً، دون الدخول في متاهات المحاكم، من خلال لجان مختصّة صاحبة صلاحية، تقرّر قرارات استثنائية للتعويض لهؤلاء بسرعة.. إضافةً إلى فتح قضية لا تزالمغلقة ستبرز لاحقاً، وهي معرفة مصير المفقودين ممن اعتُقلوا سابقاً وضاعوا، والتعويض لهؤلاء، ومحاسبة من كانوا السبب في هذه القصة. وهذه ملفات صعبة.
وفي ظلّ خطر التدخل الخارجي، البلد أهمّ من الموالاة والمعارضة، وعلى الجميع أن يتنازلوا ويقوموا بخطوات جريئة لمصلحة البلد، وللحفاظ على الوحدة الوطنية؛ لنجتاز عنق الزجاجة أولاً، وبعد ذلك نتحاسب.
طَرحت سابقاً موضوع ضرورة وجود وزراء سياسيين ونواب تقنيين.. ما الغاية من هذا الطرح؟
الحكومة يجب أن تتمتع بصلاحيات استثنائية. وحتى تكون فعّالة ومرنة وسريعة، لا يجب أن تكون كبيرة. وفي الوقت نفسه، الوضع يتطلّب مهمات عدة وكثيرة، تحتاج إلى من يقوم بها.. وهنا، من الممكن أن يتمَّ النقاش حولها. لذا كان طرح أن يكون السياسيون الحكومةذات الصلاحيات، ويتمّ توسيع الوزارة بنواب الوزراء. وهنا من الممكن لنواب التكنوقراط هؤلاء أن يحلّوا الأمور الأساسية.
ولكنْ هناك أطرافٌ من المعارضة ترفض المشاركة في الحكومة الوطنية القادمة، ومنها هيئة التنسيق الوطنية.. ماذا عن موقفكم من المشاركة، وممن يرفضونها؟
نحن -في الجبهة الشعبية- هذه فكرتنا، ونحن نطالب ونسعى لإقناع الجميع بها. وإذا لم توافق هيئة التنسيق، سنأسف لذلك.. ولكن القطار سيسير؛ إذ إنَّ الكثير من أطياف المعارضة مستعدّ للمشاركة؛ فالحركة الشعبية الاحتجاجية مثلاً مستعدّة للمشاركة في الحكومةالقادمة.
أين ترى نفسك في الحكومة القادمة؟
هذا الموضوع لا يشغل بالي، وليس هذا ما يهمّ الآن؛ فالمهم برنامج الحكومة، والمشاركة في هذه الحكومة لها علاقة ببرنامجها وصلاحياتها وقدرتها على حلّ الأزمة.
هل أنت مستعدّ للمشاركة في هذه الحكومة؟
عندما تُقترح الحكومة، ونعرف صلاحياتها وبرنامجها، من الممكن الحديث في هذا الموضوع. فإلى الآن لا نعرف خيرها من شرّها، ولا نعرف إطارها أو صلاحياتها أو برامجها. الفكرة فكرتنا، ولكن في إطار محدَّد.. فإن طُبّقت على أساس مقترحنا، بالتأكيد لن نرفض.وحتى إذا لم تكن كذلك 100 %، والتقينا على نقاط توافق مع الأطراف الأخرى، سنفكر في الموضوع، وسنكون إيجابيين؛ فالحوار يعني الوصول إلى قواسم مشتركة دنيا.. وهذا فنٌّ وأدب.
موعد تشكيل هذه الحكومة اقترب كثيراً (بداية شباط).. ألم تبدأ المشاورات حول ذلك؟
كلُّ ما أسمعه الآن حول هذه الحكومة مصدره الإعلام فقط؛ أي بالمعنى الرسمي لم يُطرح هذا الموضوع، على الرغم من أننا تكلَّمنا كثيراً فيه. وبالتأكيد، سيسرّنا تحقيقه في الإطار المقترح، على الرغم من معرفتنا بمقدار المقاومة الذي ستلاقيه خطوة مهمة وجبارة كهذهمن قوى الغرب الاستعماري التي تريد التدخل الخارجي، ومن القوى السائرة في ركابها في الداخل. ومن أسف، هناك قوى لا تزال متردّدة في الداخل، سنعمل على إقناعها، مثل هيئة التنسيق الوطنية.
هل أنت متفائل، أو هل ترى بوادر لامتلاك الحكومة القادمة حلاً للأزمة؟
إذا جاءت هذه الحكومة ضمن الإحداثيات التي نتكلّم عنها، فأنا متأكد من قدرتها على إيجاد الحلّ. وفي الأسبوع الأخير، ظهرت إشارات قوية من النظام، ولاسيما خطاب الرئيس في هذا الخصوص. وبقيت التفاصيل.. وهذه تتطلب حوارآ