«الأصيل» و«الوكيل» خاسران..!
فتح التصعيد الدبلوماسي السعودي- الإيراني، الذي بدا واضحاً ولافتاً خلال الأسبوع الماضي، ومعه سلسلة التحركات التركية المتخبطة في المنطقة، الباب واسعاً للتساؤل حول طبيعة هذا التصعيد، ومدى ارتباطه بالوزن الدولي الجديد للولايات المتحدة.
تتالت الضربات التي تلقاها الوزن الأمريكي في المنطقة: خلال الأعوام العشرة الماضية، لم تكن التدخلات العسكرية الأمريكية في المنطقة بأحسن حالاتها. سريعاً، تحول غزو العراق إلى مستنقع وعر للقوات الأمريكية الغازية. وانفتح استعصاء كبير في المعركة العسكرية في ليبيا. وفي مصر، سقط «الإخوان المسلمون»- الأداة التقليدية الأشد ارتباطاً بمصالح رأس المال المالي العالمي الإجرامي. فشل في التدخل العسكري المباشر في الأزمة السورية، وحتى في توجيه ضربة عسكرية خاطفة ومباشرة داخلها، ليعقب ذلك تأريض للحضور العسكري الأمريكي في المنطقة، بعد الدخول الروسي الفاعل على خط المكافحة الجدية للتنظيمات المصنفة دولياً إرهابية.
أمام هذا الواقع، ووفقاً للنهج البراغماتي- حتى النفس الأخير- لدى الإدارة الأمريكية، لا يمكن لأحد تخيل أن الولايات المتحدة ستجر أذيال هزيمتها وتنسحب انسحاباً كاملاً من المنطقة، ودون أن تتحضر فعلياً للتعاطي مع الوزن المستجد لها على الساحة الدولية. غير أنه، وإن أغلقت السبل في وجهها للحضور الفاعل، عسكرياً وسياسياً، في المنطقة، يبقى لها تجييش حلفائها وأدواتها التقليدية للقيام، جزئياً ونسبياً، بما عجزت عن تحقيقه شخصياً في المنطقة.
يمكن تسميتها إذاً بسياسة «ملء الفراغات» عبر توريط الحلفاء والأدوات، ولا مشكلة، في هذا السياق، أن يكابد حلفاؤها النتائج العكسية السريعة عليهم، سواء إقليمياً، أو على الصعيد المحلي لكل من تلك الدول. ففيما رأينا اندفاعاً تركياً نحو تدخل سريع في العراق، ثم تجهيزاً لبؤرة توتر جديدة في المناطق التركية الشرقية والجنوبية الشرقية، شهد العالم محاولات سعودية لا تزال تفعل فعلها حتى اليوم، سواء في التدخل العسكري في اليمن- والذي انعكس سريعاً على السعودية ذاتها- أو في توتير العلاقات مع إيران، ومحاولة الحشد الإقليمي للقيام بهذه المهمة، وغيرها.
إن كنا هنا أمام «أصيل» يطلق العنان لـ«وكيله» في منطقة عجز هو بنفسه عن حسم ملفاتها لمصلحته، هل من الممكن إعادة الحديث عن «انتصارات ممكنة» لقطب يعيش أنفاسه الأخيرة بالمعنى التاريخي؟!