..إسقاط» النظام و«إسقاط» الحركة الشعبية»
تعيش سورية اليوم ومنذ أحد عشر شهراً بالحد الأدنى حالة من الاستعصاء، من اللاحسم، تعكس هذه الحالة استعصاء دولياً يتمثل في محصلة قوى صفرية حيث انتهى إلى غير رجعة عالم القطب الأمريكي الواحد ووصلت درجة التضاد بين القطب القديم والقطب الصاعد حد التماثل في التأثير ما يعني محصلة صفرية في سورية منعت التدخل العسكري الخارجي، وأمنت الظروف المناسبة لتحقيق التغيير الديمقراطي الجذري تلك الفرصة التي لم تتح لأشقائنا في ليبيا، اليمن، مصر وتونس..
من جهة أخرى فإن حالة الاستعصاء تعني داخلياً عدم قدرة أي من الطرفين المتضادين والمتصارعين في الداخل السوري حسم الأمور لمصلحته، حيث لم يتمكن النظام لا بالترغيب ولا بالترهيب أن يسقط الحركة الاحتجاجية، ولم تستطع الحركة الاحتجاجية لا بسلميتها ولا بتسلح جزء منها أن تسقط النظام..
واقع الاستعصاء الذي أشرنا إليه أصبح واضحاً وجلياً لكل عاقل، مع ذلك ما يزال هناك على الضفتين من يدعو إلى إسقاط النظام من ضفة، وإسقاط الحركة الشعبية من الضفة المقابلة، ويبقى السؤال المهم هو: عن مصلحة من يدافع هؤلاء سواء وعوا ذلك أم لم يعوه؟؟
إن الإصرار على كلا الشعارين يعني الإصرار على استمرار الاستعصاء الذي غدا اليوم استنزافاً للطاقات والموارد السورية وتهديداً حقيقياً بتفتيت سورية عبر أخذها إلى أوحال الحرب الأهلية.. فذلك الذي يصر على شعار إسقاط النظام إنما يصر على توحيده تحت «النيران المعادية»، توحيد الفاسدين المفسدين مع المتضررين الموجودين داخل جهاز الدولة والذين لا يمكن التشكيك بوطنيتهم بحال من الأحوال، وبالمقابل فإن الإصرار على شعار إسقاط الحركة الشعبية والذي وإن لم يجهر به أحد علناً إلا أنه متضمن في كثير من المقولات الرسمية كتلك الممجوجة والمكررة: (هل هذه الحرية التي تريدونها؟)، الإصرار على هذا الشعار يعني دفع الحركة الشعبية نحو التطرف والانعزال والسماح للمسلحين بتحقيق اختراقات أكبر ضمن جسم المجتمع السوري ومنع الحركة الشعبية التي يقدرها كل عاقل على أنها موجة إيجابية يمكن الاستفادة منها لتعزيز مناعة الوطن ومناعة جهاز الدولة السوري، فهل يحلم أحد بأن يحاسب جهاز الدولة نفسه وأن يعزل الفساد من داخله؟.. كم من لجنة وهيئة لمحاربة الفساد لم تتمكن من فعل شيء، اللهم إلا محاسبة بعض الفاسدين الصغار الذين لا يسمن فسادهم ولا يغني من جوع.. لكم تبجح الفاسدون ومنهم أعضاء في مجلس الشعب بالوطنية وبالتصدي للمؤامرة ووجودهم في مواقعهم هو المؤامرة عينها..
وبالمقابل فهل يحلم أحد بأن تجلب لنا مشيخات الخليج التي تقطر دهناً وقرفاً، ومن ورائها أمريكا وبريطانيا تغييراً يخدم الشعب السوري ويصب في مصلحته؟
إسقاط النظام وإسقاط الحركة الشعبية وجهان لعملة أمريكية واحدة، يلعقها الفاسدون الكبار داخل جهاز الدولة من جهة، والفاسدون المأجورون للخارج من جهة أخرى..
إن تغييراً حقيقياً ووطنياً في سورية هو استحقاق لا مفر منه، ولا يمكن تحقيقه إلا برعاية الحركة الشعبية والسماح لها بأن تتطور تطوراً طبيعياً بناءً، وذلك برفع يد وإعلام فاسدي الدولة عنها من جهة، وبعزل المتطرفين المأجورين للخارج من داخلها من الجهة الأخرى..
أمام السوريين حل وحيد: تغيير النظام تغييراً ديمقراطياً جذرياً يسقط الفساد داخله، وتغيير الحركة الشعبية بعقلنتها واستيعابها لإسقاط المتطرفين المتسلقين عليها.. بغير ذلك لن نخطو نحو سورية الجديدة ولا نحو أية سورية..!!