الآن وبالملموس: لقد تغير العالم..!
و«انتصر الحل السياسي..!» هكذا يمكن توصيف ما حملته الأسابيع القليلة الماضية من كم كبير من الأحداث والتطورات التي بدت في ظاهرها عرقلة لمسار الحل السياسي في سورية، لدرجة دفعت بالكثيرين لأن يصلوا إلى ما يشبه القناعة بأنّ هذا الحل جرى نسفه وتأخيره أشهراً وأعواماً أخرى. من تلك الأحداث، إسقاط تركيا للطائرة الروسية، وتقدم حرب النفط، واجتماع الرياض بشكله ونتائجه، وغيرها.
ولكن اجتماع نيويورك وما تلاه من إقرار مجلس الأمن لقراره حول تثبيت الحل السياسي للأزمة السورية، بما تضمنه في تغيير في المواقف الأمريكية المسبقة والأكثر عرقلة وتشدداً، جاء ليؤكد بشكل لا يقبل النقاش ما ذهبت إليه «قاسيون» في افتتاحياتها الماضية، والأخيرة خصوصاً، من أنّ تلك الأحداث المذكورة أعلاه ليست إلّا «ضربات معاكسة» للتقدم الروسي ستأتي بآثار عكسية تضر بأصحابها وتزيد أزماتهم وضيق هوامش حركتهم. فاجتماعات كيري- لافروف- بوتين الأخيرة، عكست درجة «توافق» روسي- أمريكي، أعلى من السابق، مثلما أكدت على أنّ مسار فيينا ماضٍ قدماً ولن يتوقف. وكذلك الأمر مع اجتماع نيويورك الذي سبقه قرار آخر من مجلس الأمن، تحت البند السابع، حول محاربة تمويل المنظمات الإرهابية ودعمها.
إنّ النقاط الأساسية والعامة التي يمكن تسجيلها حتى اللحظة فيما يخص حل الأزمة السورية هي التالية:
• مسار محاربة الإرهاب يتقدم، دولياً وإقليمياً وسورياً.
• بالتوازي، مسار الحل السياسي انطلق ولن يتوقف، بل ولن يتأخر.
• كل محاولة لتأخير الحل السياسي لن تزيده إلا تسارعاً واندفاعاً، فكل محاولة جديدة تؤدي بأصحابها إلى الاقتراب أكثر من خانة الدعم العلني للإرهاب، وتسمح للطرف المقابل بتعزيز مواقعه وإجبار الجميع على السير بسرعة أكبر نحو محاربة الإرهاب ونحو الحل السياسي.
• اجتماع نيويورك هو استمرار لجنيف1 وفيينا1 وفيينا2، وخطوة إلى الأمام نحو شرعنة وقوننة مخرجات فيينا2، وهو ما جرى عبر مجلس الأمن في قراره 2254.
• كما أنّ هذه الخطوة، هي استكمال وتسريع لتطويق وتقليم الجوانب السلبية في أدوار القوى الإقليمية في الأزمة السورية وتطويعها، تلاؤماً مع الواقع الدولي الجديد الذي يتثبت فيه تراجع واشنطن وحلفائها.
• إنّ عملية إقرار القائمتين السوداء، للمنظمات الإرهابية، والبيضاء للمعارضة السياسية الذاهبة للحل، أصبحت استحقاقاً موضوعياً جرى حله من حيث المبدأ في اجتماع نيويورك لمتابعة سير الحل السياسي قدماً.
• بالتوازي مع ذلك يجري العمل على رسم خارطة طريق المرحلة الانتقالية، التي ستكون بالمعنى العملي تطبيقاً لمقررات فيينا2، بما يتضمنه ذلك من فتح مسار معركة سياسية ستكون بطبيعتها أصعب من المراحل السابقة، ولكن خاصيتها الأساسية هي حقن دماء السوريين وتحويل صراعهم من المواجهة بالسلاح إلى المواجهة السياسية.
بالمحصلة، فإنّ الصراع بين الحل السياسي و«الحلول العسكرية» قد حسم نهائياً لمصلحة الحل السياسي. وكل من سبق له أن رفض هذا الحل أو أعاقه، علناً أو سراً، بات مضطراً على نحو مطرد الآن للالتحاق، سواء أعجبه ذلك أم لم يعجبه.
ولأنه بات يمكننا الآن القول وبالملموس مع انعطافة نيويورك: «لقد تغير العالم»، فإنّ ما ينتصر الآن ليس أي حل سياسي، بل ذاك الحل السياسي المستند إلى واقع دولي جديد فيه حلفاء واشنطن والغرب، المعلنون وغير المعلنين، أضعف بكثير مما سبق. ولذلك تحديداً، فالحل السياسي القادم، ورغم مختلف الصعوبات والتعقيدات التي تواجهه، وستواجهه، هو حل يحافظ على سورية موحدة أرضاً وشعباً، ويفتح الباب نحو التغيير الوطني الديمقراطي الجذري الشامل والعميق، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وبما يحافظ على دورها الوظيفي، ويقدم نموذج حل أزمتها، وتطورها اللاحق، في المنطقة والعالم.