الافتتاحية: «ضربات معاكسة» بآثار عكسية!

الافتتاحية: «ضربات معاكسة» بآثار عكسية!

تصاعد التوتر الإقليمي والدولي خلال الأسبوع الماضي بشكل ملحوظ وعلى مستويات عدة، حيث ارتفع مستوى التصريحات والتحضيرات العسكرية لكل من الناتو وروسيا، مثلما برز التدخل العسكري التركي في العراق وما يحمله من مخاطر على تركيا نفسها وعلى المنطقة بأسرها، وذلك بالتوازي مع مجريات اجتماع الرياض الإشكالي لعدد من فصائل المعارضة السورية ولعدد من الفصائل المسلحة، وما نتج عنه من طروحات من شأنها فقط أن تطيل أمد الأزمة السورية، التي تقف، وسط كل معطيات التوتر العالمي السابقة، على رأس جدول العمل والصراع الدوليين..

إنّ تسارع الصراع العالمي وتعدد مستوياته وتنوعها وتداخلها الكبير، والذي يشكل السمة الأساسية للمرحلة، يمكن له أن يشتت الانتباه عن الخط العام الذي يشكل السياق الجامع لإحداثيات الصراع المختلفة.

إنّ مسألة تثبيت التوازن الدولي الجديد وترجمته بشكل ملموس، لا تزال حجر العقد في كل ما يجري على الساحات المختلفة، يضاف إليه طبيعة العلاقة بين قوى الفاشية الجديدة والقوى «العقلانية» ضمن القطب الأمريكي- الأوروبي.

إنّ ما ظهر مؤخراً من «زخم» فاشي، ابتداءً من إسقاط الطائرة الروسية ووصولاً إلى مستجدات الأسبوع الفائت، ليست في عمقها إلا «ضربات معاكسة»، لا يأمل «العقلانيون» منها أكثر من تخفيف حدة وسرعة الزخم الروسي المتصاعد في معالجة مختلف الشؤون العالمية. وإن كانت للفاشيين آمال أبعد من ذلك، فهي آمال للاستهلاك المؤقت ليس إلّا. ضمن هذا السياق يمكن فهم عمل جناحي الفاشية الإقليميين، التركي والسعودي خلال الأسابيع القليلة الماضية، في محاولة اضطرارية للعمل المكشوف تعويضاً عن انكفاء الأداة الداعشية.

ضمناً، فإنّ ما تحمله نتائج اجتماع الرياض من سلبيات يتعدى ما يختزله البعض بـ«مشكلة فنية» في طريقة تمثيل المعارضة، إلى كونها تشكل تعارضاً مع مسار جنيف- فيينا، في محاولة لعرقلته من داخله. فالمسار المذكور أكد وجوب تمثيل أطياف المعارضة جميعها وبإشراف من المبعوث الدولي ستافان دي ميستورا، كما أكد وجوب تبّين «القائمة السوداء» للإرهابيين من «القائمة البيضاء» لممثلي المعارضة، وما فعله اجتماع الرياض يضرب الشرطين السابقين جزئياً أو كلياً، ولذلك فإنّ نتائجه ستتحول حبراً على ورق، كما أنّ المعولين على استثمار هذه النتائج باعتبارها سعراً أولياً مرتفعاً في «بازار» قادم، لن يحوزوا شيئاً في هذا الصدد، بل وستنعكس النتائج عليهم سلباً تحت واقع التوافق الدولي على ضرورة محاربة الإرهاب وخطره، وعلى ضرورة حل الأزمة السورية سياسياً بعملية يتمثل فيها الجميع.

أي أنّ محاولات قطع مسار فيينا، سرعان ما ستربك أصحابها، من باب علاقاتهم مع داعش ومع الإرهاب أولاً، ومن باب تنطحهم للعب أدوار لا تتناسب مع أحجامهم المستجدة، سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي.

بالمحصلة، فإنّ فشل «الضربات المعاكسة» يحمل في طياته انعطافات سياسية قادمة، تدفع بأولئك الذين قبلوا بالحل السياسي، قولاً، وعملوا ضده، فعلاً، إلى مواقع أضعف من مواقعهم السابقة، بل وإلى مواقع شديدة الخطورة والتأزم.

 

إنّ مسار فيينا المؤسس على بيان جنيف1 هو المسار الوحيد المتاح موضوعياً بحكم التوازن الدولي الجديد، وبحكم الواقع السوري والإقليمي، وكل محاولات القفز فوقه لم ولن تفيد أصحابها، بل ستزيد خسائرهم، ولكنها وبالتوازي تزيد من معاناة السوريين وتمدد أزمتهم. وعلى مختلف القوى السياسية التي تعتبر نفسها وطنية أن تتحمل مسؤولياتها الحقيقية تجاه هذه المحاولات، وتجاه الشعب السوري.