بلا أوهام..
يوماً بعد يوم، لقاء تلو سابقه، تصريح إثر آخر، تتوالى النشاطات الدبلوماسية المرتبطة بمحاولات وجهود أطراف دولية وإقليمية ومحلية، متباينة، بل متناقضة، النوايا والأجندات، نحو إيجاد حل سياسي للأزمة السورية التي تجاوزت عامها الرابع، بكل ما تحمله الإحصائيات الكارثية لهذه الأعوام من الصراع داخل سورية وعليها.
ومع هذا التقدم محلياً وإقليمياً ودولياً لإطلاق مسار الحل السياسي، فإن ما هو مطروح على الطاولة عملياً هو عن أي حل سياسي يجري الحديث؟
هناك حلّ يلبي مصالح سورية، بالحفاظ على وحدتها أرضاً وشعباً وسيادة حقيقية، يدفع باتجاهه أصدقاء الشعب السوري الحقيقيين، الذين دافعوا في مختلف المحافل الدولية، منذ توالي ثلاثية الفيتو المزدوج الروسي الصيني داخل مجلس الأمن الدولي لمنع التدخل العسكري المباشر في سورية، تحت ذرائع مختلفة، ودفعت هذه الأطراف الأمور دائماً، بالمقابل، نحو محاولات جدية لإيجاد الحل السياسي للأزمة السورية، سواء عبر بيان جنيف1، أو عقد جنيف2 رغم كل مآخذها عليه، أو لقائي موسكو التشاوريين، إلخ.
وهناك حل ينافي هذه المصالح العميقة للشعب السوري يدفع باتجاهه الأمريكيون على طول الخط، متجلياً بمختلف أطوار دورهم الملعوب، ميدانياً وسياسياً، في الأزمة السورية، وسعيهم المحموم لاستنبات عوامل تأجيج الثنائيات والفوالق الثانوية جميعها، ضمن مشروع «الفوضى الخلاقة» المرسوم ليس لسورية فحسب بل للمنطقة برمتها، والقائم على الانقسام والتحاصص الديني والطائفي والمذهبي والقومي، وتلاقيها، للمفارقة، مع قوى وطغم الفساد المحلية، العابرة لتلك الانقسامات وتلاوينها المختلفة، في تخديم مصالحها مع الغرب وواشنطن.
وعليه، فإن واشنطن المضطرة ضمن موازين القوى الدولية للتوجه نحو الحل السياسي للأزمة السورية، لن تغير من نواياها الطامحة إليها وتستميت في سبيل تحقيقها، بدءاً من محاولة إعادة تحريك الفوالق والتناقضات الثانوية، مروراً بترتيب واستنهاض كل ما لديها من «أحصنة طروادة» حقيقية، وتتكامل من وجهة النظر الأمريكية مع تلك المستولدة بالخارج، وصولاً إلى التفتيت عبر محاولة فرض حالة اللاحل من خلال الإيحاء بالحل..!
أما الحل الحقيقي الذي يلبي المصالح العميقة للسوريين فهو ما يركز على تأمين شروط ومتطلبات التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل بالتلازم مع محاربة الإرهاب، حقاً وفعلاً، بعد إعادة توحيد السوريين مع جيشهم في تنفيذ هذه المهمة، التي لن يتصدى للقيام بها وإنجازها إلا المتضررين حقاً من الإرهاب الأمريكي بأجنحته وأدواته الفاشية.
وهذا يعني أنه دون أية أوهام، فإن الصراع في مختلف مراحل الحل السياسي المرتقب للأزمة السورية وتفاصيله وخطواته سيبقى بين هذين الشكلين للحل، وكلما تقدم هذا الحل قدماً. ولا يداني السذاجة في تصوير خلاف ذلك سوى وهم الرهان على الأمريكي وحقيقة نواياه ومواقفه وعدائيته المستمرة، باستمرار بنيته الرأسمالية المأزومة، سواء تجاه الشعب السوري أم شعوب المنطقة وشعوب العالم قاطبة، وهو ما تدركه التجربة التاريخية العميقة للسوريين، مهما تكاثفت سحب التضليل، عند هذا الطرف أو ذاك، حول إمكانية تغير النوايا الأمريكية.